مغلوب فانتصر (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) (٧٥) له نحن ، أي دعانا على قومه فأهلكناهم بالغرق (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٧٦) أي الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٧٧) فالناس كلهم من نسله عليهالسلام ، وكان له ثلاثة أولاد : سام وهو أبو العرب وفارس والروم ، وحام وهو أبو السودان ، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك (وَتَرَكْنا) أبقينا (عَلَيْهِ) ثناء حسنا (فِي الْآخِرِينَ) (٧٨) من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة (سَلامٌ) منا (عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٧٩) (إِنَّا كَذلِكَ) كما جزيناهم (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠) (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (٨١) (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٢) كفار قومه (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) أي ممن تبعه في أصل الدين
____________________________________
قوله : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) شروع في تفصيل ما أجمله في قوله : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) وقد ذكر في هذه السورة سبع قصص : قصة نوح ، وقصة إبراهيم ، وقصة الذبيح ، وقصة موسى وهرون ، وقصة الياس ، وقصة لوط ، وقصة يونس ، وذلك تسلية له صلىاللهعليهوسلم وتحذير لمن كفر من أمته. قوله : (ربي إني مغلوب) أي مقهور ، وقوله : (فانتصر) أي انتقم منهم. قوله : (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) الواو للتعظيم ، وقوله : (نحن) هو المخصوص بالمدح. قوله : (وَأَهْلَهُ) أي من آمن به ، ومنهم زوجته المؤمنة وأولاده الثلاثة وزوجاتهم. قوله : (فالناس كلهم من نسله) هذا هو المعتمد ، وقيل كان لغير ولد نوح أيضا نسل. قوله : (سام) إلخ ، الثلاثة بمنع الصرف للعلمية والعجمة وفارس ، كذلك للعلمية والتأنيث ، لأنه علم على قبيلة. قوله : (والخزر) بفتح الخاء والزاي بعدهما راء مهملة ، وهكذا في النسخ الصحيحة وهو الصواب ، وفي بعض النسخ : والخزرج ، وهو تحريف فاحش ، لأن الخزرج من جملة العرب ، والخزر صنف من الترك صغار الأعين ، يعرفون الآن بالططر. قوله : (وما هنالك) أي وهم قوم عند يأجوج ومأجوج ، إذا طلعت عليهم الشمس ، دخلوا في أسراب لهم تحت الأرض ، فإذا زالت عنهم ، خرجوا إلى معايشهم وحروثهم ، وقيل : هم قوم عراة ، يفرش بعضهم إحدى أذنيه ويلتحف بالأخرى. قوله : (ثناء حسنا) قدره إشارة إلى أن مفعول (تَرَكْنا) محذوف ، وقوله : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) كلام مستقل انشاء ، ثناء من الله تعالى على نوح ، فالأول ثناء الخلق ، والثاني ثناء الخالق ، وفي الحديث أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من قال حين يمسي : سلام على نوح في العالمين ، لم تلدغه عقرب». قوله : (الْعالَمِينَ) متعلق بما تعلق به الجار قبله ، والمراد بالعالمين الملائكة والثقلان.
قوله : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) تعليل لما فعل بنوح من الكرامة ، في إجابة دعائه ، وإبقاء ذريته ، وذكر الجميل ، وتسليم الله عليه في العالمين ، أي فهذا الجزاء سنتنا في كل من اتصف بالإحسان كنوح. قوله : (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) علة لكونه محسنا ، وفيه إجلال لشأن الإيمان ، وإظهار لفضله ، وترغيب في تحصيله والثبات عليه والازدياد منه. قوله : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) معطوف على (نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) فالترتيب حقيقي ، لأن نجاتهم بركوب السفينة ، حصلت قبل غرق الباقين فتدبر.
قوله : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) إلخ عطف على قوله : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) عطف قصة على قصة. قوله : (أي ممن اتبعه) إلخ ، أي فالشيعة الأتباع والحزب. قوله : (في أصل الدين) أي وإن اختلفت فروع