وعدى السماع بإلى لتضمنه معنى الإصغاء ، وفي قراءة بتشديد الميم والسين ، أصله يتسمعون ، أدغمت التاء في السين (وَيُقْذَفُونَ) أي الشياطين بالشهب (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) (٨) من آفاق السماء (دُحُوراً) مصدر دحره أي طرده وأبعده ، وهو مفعول له (وَلَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ واصِبٌ) (٩) دائم (إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) مصدر أي المرّة والاستثناء من ضمير يسمعون ، أي لا يسمع إلا الشيطان الذي سمع الكلمة من الملائكة فأخذها بسرعة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) كوكب مضيء (ثاقِبٌ) (١٠) يثقبه أو يحرقه أو يخبله (فَاسْتَفْتِهِمْ) استخبر كفار مكة تقريرا أو توبيخا (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الملائكة والسماوات والأرضين وما فيهما ، وفي الإتيان بمن تغليب العقلاء (إِنَّا خَلَقْناهُمْ) أي أصلهم آدم (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) (١١) لازم يلصق باليد ، المعنى
____________________________________
يعتريهم من العذاب. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله : (أدغمت التاء في السين) أي بعد قلبها سينا وإسكانها. قوله : (من آفاق السماء) أي نواحيها وجهاتها. قوله : (والاستثناء من ضمير يسمعون) أي و (من) في محل رفع بدل من الواو ، أو في محل نصب على الاستثناء ، والاستثناء على كل متصل ، ويجوز أن تكون (من) شرطية ، وجوابها (فَأَتْبَعَهُ) أو موصولة مبتدأ ، وخبرها (فَأَتْبَعَهُ) وهو استثناء منقطع كقوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ).
(فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) إن قلت : تقدم أن الكواكب ثابتة في السماء أو في العرش زينة ، ومقتضى كونها رجوما للشياطين ، أنها تنفصل وتزول ، فكيف الجمع بين ذلك؟ أجيب : بأنه ليس المراد أن الشياطين يرجمون بذات الكواكب ، بل تنفصل منها شهب تنزل على الشياطين ، والكواكب باقية بحالها. إن قلت : إن الشياطين خلقوا من النار ، فكيف يحترقون؟ أجيب : بأن الأقوى يحرق الأضعف ، كالحديد يقطع بعضه بعضا. إن قلت : إذا كان الشيطان يعلم أنه لا يصل لمقصوده بل يصاب ، فكيف يعود مرة أخرى؟ أجيب : بأنه يرجو وصوله لمقصوده وسلامته ، كراكب البحر ، فإنه يشاهد الغرق ، المرة بعد المرة ، ويعود طمعا في السلامة. قوله : (يثقبه) أي بحيث يموت من ثقبه ، وقوله : (أو يحرقه) أي ويموت أيضا ، وأو في كلام المفسر للتنويع ، وهو لا ينافي وصف الشهاب بالثاقب ، لأن معنى الثاقب المضيء ، أي الذي يثقب الظلام ، خلافا لما يوهمه المفسر. قوله : (أو يخبله) الخبل بسكون الباء وفتحها ، الجنون والبله ، ويطلق أيضا على من فسدت أعضاؤه.
قوله : (فَاسْتَفْتِهِمْ) إلخ ، المقصود من هذا الكلام ، الرد على منكري البعث ، حيث ادعوا أنه مستحيل ، وحاصل الرد ، أن يقال لهم : إن استحالته التي تدعونها ، إما لعدم المادة ، وهو مردود بأن غاية الأمر تصير الأجزاء ترابا ، وهو قادر على أن ينزل عليه ماء فيصير طينا ، وقد خلق آباهم آدم من طين ، أو لعدم القدرة وهو مردود ، بأن القادر على هذه الأشياء العظام من السموات الأرض وغيرهما ، قادر على اعادتهم ثانيا ، وقدرته ذاتية لا تتغير ، فهذه الآية نظير قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) إلخ. قوله : (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) أي أقوى خلقا ، أو أصعب أو أشق إيجادا. قوله : (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) قرأ العامة بتشديد الميم ، وقرىء شذوذا بفتحها ، وهو استفهام ثان ، و (مَنْ) مبتدأ خبر محذوف دل عليه ما قبله أي (أَشَدُّ خَلْقاً). قوله : (لازِبٍ) من باب دخل ، وقوله : (يلصق باليد) أي أنه لضعفه لا قوام له