وَلا يَرْجِعُونَ) (٦٧) أي لم يقدروا على ذهاب ولا مجىء (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) بإطالة أجله (نُنَكِّسْهُ) وفي قراءة بالتشديد من التنكيس (فِي الْخَلْقِ) أي خلقه فيكون بعد قوته وشبابه ضعيفا وهرما (أَفَلا يَعْقِلُونَ) (٦٨) أن القادر على ذلك المعلوم عندهم قادر على البعث فيؤمنون ، وفي قراءة بالتاء (وَما عَلَّمْناهُ) أي النبي (الشِّعْرَ) رد لقولهم أن ما أتى به من القرآن شعر (وَما يَنْبَغِي) يسهل (لَهُ) الشعر (إِنْ هُوَ) ليس الذي أتى به (إِلَّا ذِكْرٌ) عظة (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٦٩) مظهر للأحكام وغيرها (لِيُنْذِرَ) بالياء والتاء به (مَنْ كانَ حَيًّا) يعقل ما يخاطب به وهم المؤمنون (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ)
____________________________________
(أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) الآية. قوله : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ) أي من يكون في سابق علمنا طويل العمر. قوله : (وفي قراءة بالتشديد) أي وهما قراءتان سبعيتان ومعناهما واحد ، والمعنى نقلبه ، فلا يزال يتزايد ضعفه وتنقص قواه ؛ عكس ما كان عليه أول أمره. قوله : (أي خلقه) أي خلق جسده وقواه. قوله : (ضعفا) مقابل قوته ؛ وقوله : (وهرما) مقابل شبابه ، فهو لف ونشر مرتب ، وهذا في غير الأنبياء عليهمالسلام ، وأما هم فلا يعتريهم الضعف في العقل والبدن ، وإن طال عمرهم جدا ، واستعاذته صلىاللهعليهوسلم من الرد لأرذل العمر تعليم لأمته ، ويلحق بالأنبياء العلماء العاملون ، فلا يهرمون ولا يضعفون بطول العمر ، بل يكونون على أحسن ما كانوا عليه. قوله : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) الهمزة داخلة على محذوف ، والتقدير أتركوا التفكر فلا يعقلون. قوله : (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا.
قوله : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) هذا تنزيه من الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم عن آلهتهم فيما أوحاه الله إليه ، إذ لو كان للعقل فيه بعض اتهام ، لبطل الاحتجاج به. قوله : (رد لقولهم أن ما أتى به من القرآن شعر) أي وحينئذ فيصير المعنى : ليس القرآن بشعر ، لأن الشعر كلام مزخرف موزون مقفى قصدا مبني على خيالات وأوهام واهية ، وأين ذلك من القرآن العزيز ، الذي تنزه عن مماثلة كلام البشر. قوله : (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي لا يصح ولا يليق منه ، لأن الشعر شأنه الأكاذيب ، وهي عليه مستحيلة ، ولذا قيل : أعذبه أكذبه ، فتحصل أن النبي لا ينبغي له الشعر ، ولا يليق منه. إن قلت : إنه تمثل بقول ابن رواحة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك بالأخبار من لم تزود |
وأنشأ من نفسه قوله :
أنا النبي لا كذب |
|
أنا ابن عبد المطلب |
وقوله :
هل أنت إلا أصبع دميت |
|
وفي سبيل الله ما لقيت |
قلت : أحسن ما أجيب به : أن انشاده بيت ابن رواحة ، وإنشاء البيتين المقدمين ، لم يكن عن قصد ، وإنما وافق وزن الشعر ، كما في بعض الآيات القرآنية ، فليس كل من قال قولا موزونا ، لا يقصد به الشعر شاعرا ، وإنما وافق وزن الشعر. قوله : (لِيُنْذِرَ) متعلق بمحذوف دل عليه ما قبله قوله : (بالياء والتاء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله : (وهم المؤمنون) أي وخصوا بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون به.