أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) آمركم (يا بَنِي آدَمَ) على لسان رسلي (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) لا تطيعوه (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٦٠) بيّن العدواة (وَأَنِ اعْبُدُونِي) وحدوني وأطيعوني (هذا صِراطٌ) طريق (مُسْتَقِيمٌ) (٦١) (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا) خلقا جمع جبيل كقديم ، وفي قراءة بضم الباء (كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) (٦٢) عدواته وإضلاله ، أو ما حل بهم من العذاب فتؤمنون ، ويقال لهم في الآخرة (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٦٣) بها (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) (٦٤) (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) أي الكفار لقولهم : والله ربنا ما كنا مشركين (وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ) وغيرها (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٦٥) فكل عضو ينطق بما صدر منه (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) لأعميناها طمسا (فَاسْتَبَقُوا) ابتدروا (الصِّراطَ) الطريق ذاهبين كعادتهم (فَأَنَّى) فكيف (يُبْصِرُونَ) (٦٦) حينئذ أي لا يبصرون (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) قردة وخنازير أو حجارة (عَلى مَكانَتِهِمْ) وفي قراءة مكاناتهم جمع مكانة بمعنى مكان ، أي في منازلهم (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا
____________________________________
قوله : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ) الاستفهام للتوبيخ والتقريع ، والمراد بالعهد ، ما كلفهم الله به على ألسنة رسله من الأوامر والنواهي. قوله : (آمركم) أي وأنهاكم ؛ ففيه اكتفاء. قوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ أَنْ) تفسيرية لتقدم جملة فيها معنى القول دون حروفه ، و (لا) ناهية ؛ والفعل مجزوم بها. قوله : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) تعليل لوجوب الانتهاء. قوله : (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ) تأكيد للتعليل. قوله : (جِبِلًّا) بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام. قوله : (وفي قراءة بضم الباء) أي مع ضم الجيم ، وبقي قراءة ثالثة سبعية أيضا ، وهي بكسر الجيم والباء وتشديد اللام كسجل. قوله : (هذِهِ جَهَنَّمُ) هذا خطاب لهم وهم على شفير جهنم ، والمقصود منه زيادة التبكيت والتقريع. قوله : (اصْلَوْهَا) أي ذوقوا حرارتها. قوله : (بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) أي بسبب كفركم.
قوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) أي ختما يمنعها عن الكلام النافع ، فلا ينافي قوله تعالى في الآية الأخرى : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ) وهذا مرتبط بقوله : (اصْلَوْهَا الْيَوْمَ) روي أنهم حين يقال لهم ذلك ، يجحدون ما صدر عنهم في الدنيا ويتخاصمون ، فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم ، فيحلفون أنهم ما كانوا مشركين ويقولون : لا نجيز علينا شاهدا إلا من أنفسنا ؛ فيختم على أفواههم ، ويقال لأركانهم : انطقوا فتنطق بما صدر منهم ، وحكمة إسناد الختم لنفسه ، والشهادة للأيدي والأرجل ، دفع توهم أن نطقها جبر ، والمجبور غير مقبول الشهادة ، فأفاد أن نطقها اختياري. قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) إلخ مفعول المشيئة محذوف ، أي لو نشاء طمسها لفعلنا ، وقوله : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) أي أرادوا أن يستبقوا الطريق المحسوس ذاهبين في حوائجهم ، وهو عطف على قوله : (لَطَمَسْنا) ، وقوله : (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) استفهام إنكاري مرتب على ما قبله ، أي فلا يبصرونه.
قوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) إلخ ، يقال فيها ما قيل فيما قبلها ، والمسخ تغيير الصور ، و (عَلى) بمعنى في ، والمقصود من هاتين الآيتين ، تسليته صلىاللهعليهوسلم ، وتوبيخ الكفار واعلامهم بأن الله قادر على إذهاب ما بهم من النعم في الدنيا ، وأنهم مستحقون ذلك لو لا حلمه تعالى ، فهاتان الآيتان بمعنى قوله تعالى : (قُلْ