عظمته إذ أشركوا به ما لم يمتنع من الذباب ولا ينتصف منه (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٧٤) غالب (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) رسلا ، نزل لما قال المشركون أأنزل عليه الذكر من بيننا (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لمقالتهم (بَصِيرٌ) (٧٥) بمن يتخذه رسولا كجبريل وميكائيل وإبراهيم ومحمد وغيرهم صلّى الله عليهم وسلم (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي ما قدموا وما خلفوا وما عملوا وما هم عاملون بعد (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) (٧٦) (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) أي صلوا (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) وحدوه (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) كصلة الرحم ومكارم الأخلاق (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٧٧) تفوزون بالبقاء في الجنة (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) لإقامة دينه (حَقَّ جِهادِهِ) باستفراغ الطاقة فيه ، ونصب حق على المصدر (هُوَ اجْتَباكُمْ) اختاركم لدينه (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ
____________________________________
ما أنزل الله على بشر من شيء ، وقيل سبب نزولها أن اليهود قالوا : خلق الله السماوات يوم الأحد ، والأرض يوم الاثنين ، والجبال يوم الثلاثاء ، والأوراق والأشجار يوم الأربعاء ، والشمس والقمر في يوم الخميس ، وخلق آدم وحواء في يوم الجمعة ، ثم استوى على ظهره ، ووضع إحدى رجليه على الأخرى واستراح ، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقيل إنها من تتمة المثل ، وعليه درج المفسر.
قوله : (اللهُ يَصْطَفِي) أي يختار. قوله : (مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً) إن قلت إن هذا يقتضي أن يكون الرسل بعض الملائكة لا كلهم وآية فاطر تقتضي أن الكل رسل. أجيب بأن التبعيض بالنسبة لإرسالهم لبني آدم والجميع رسل بالنسبة لبعضهم بعضا. قوله : (وَمِنَ النَّاسِ) (رسلا) أشار بذلك إلى أن في الآية الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه. قوله : (نزل لما قال المشركون) القائل هو الوليد بن المغيرة ، ووافقه على ذلك قومه. قوله : (كجبريل) الخ ، مثل باثنين من الملائكة واثنين من الإنس. قوله : (ما قدموا) أي من الأعمال. قوله : (وما خلفوا) أي لم يعملوه بالفعل. قوله : (أو ما عملوا) أي بالفعل ، وقوله : (وما هم عاملون) أي في المستقبل. قوله : (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي تصير أمور الخلائق اليه تعالى ، ويجازي كلا بعمله. قوله : (أي صلوا) أي وعبر عنها بالركوع والسجود ، من باب تسمية الشيء باسم أشرف أجزائه. قوله : (كصلة الرحم ومكارم الأخلاق) أي وغيرهما من الخيرات الواجبة والمندوبة. قوله : (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الترجي في القرآن بمنزلة التحقيق ، فالفلاح محقق لمن فعل هذه الأمور.
قوله : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ) أي أعداءكم الظاهرية والباطنية ، فالظاهرية فرق الضلال والكفر ، ومجاهدتها معلومة ، ويسمى الجهاد الأصغر ، والباطنية النفس والهوى والشيطان ، ومجاهدتها الامتناع من شهواتها شيئا فشيئا ، ويسمى الجهاد الأكبر كما في الحديث ، ووجه تسميته أكبر ، أن الأعداء الظاهرية ، تحضر تارة وتغيب أخرى وتصالح ، وإذا قتلها الشخص أو قتلته فهو في الجنة ، بخلاف الأعداء الباطنية ، فلا تغيب أصلا ، ولا يمكن الصلح معها ، وإذا قتلت صاحبها وغلبته فهو في النار. قوله : (حَقَّ جِهادِهِ) من إضافة الصفة للموصوف ، أي جهادا حقا. قوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) أي اصطفاكم وجعلكم أمة وسطا.