يقولون لهم (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١٠٣) في الدنيا (يَوْمَ) منصوب باذكر مقدرا قبله (نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِ) اسم ملك (لِلْكُتُبِ) صحيفة ابن آدم عند موته ، واللام زائدة ، أو السجل الصحيفة والكتاب بمعنى المكتوب ، واللام بمعنى على ، وفي قراءة للكتب جمعا (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ) عن عدم (نُعِيدُهُ) بعد إعدامه فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى (أول) وما مصدرية (وَعْداً عَلَيْنا) منصوب بوعدنا مقدرا قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) ما وعدنا (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ) بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة (مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ) بمعنى أم الكتاب الذي عند الله (أَنَّ الْأَرْضَ) أرض الجنة (يَرِثُها عِبادِيَ
____________________________________
(خَلْقٍ) أي كما بدأناهم في بطون أمهاتهم ، حفاة عراة غرلا ، كذلك نعيدهم يوم القيامة ، والخلق بمعنى المخلوق ، وإضافة (أَوَّلَ) له من إضافة الصفة للموصوف ، والمعنى كما بدأنا المخلوق الأول نعيده ثانيا. قوله : (بعد إعدامه) هذا أحد قولين لأهل السنة ، والقول الثاني أن الإعادة بعد تفرق الأجزاء ، قال في الجوهرة :
وقل يعاد الجسم بالتحقيق |
|
عن عدم وقيل عن تفريق |
قوله : (وما مصدرية) أي وبدأنا صلتها ، والجملة في محل جر بالكاف ، و (أَوَّلَ خَلْقٍ) مفعول به لبدأنا. قوله : (وَعْداً عَلَيْنا) أي فعلينا إنجازه ، لتعلق علمنا بوقوعه وقدرتنا على إنفاذه. قوله : (لمضمون ما قبله) أي الجملة الخبرية. قوله : (إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) توكيد لما قبله. قوله : (بمعنى الكتاب) أي فأل في الزبور للجنس ، والمعنى جنس الكتب السماوية. قوله : (بمعنى أم الكتاب) أي وهو اللوح المحفوظ.
قوله : (أَنَّ الْأَرْضَ) مفعول (كَتَبْنا). قوله : (عام في كل صالح) أي من هذه الأمة وغيرها من الأمم ، والمراد بالصلاح الموت على الإيمان ، والمعنى أن المؤمنين يرثون الجنة ، ويتنعمون بها على قدر أعمالهم ، وعبر بالميراث لأنه ملك مستمر يأتي من غير تكسب ، وأما من مات على الكفر ، فليس له في الجنة نصيب ، لأن الجنة عزيزة عند الله فلا يعطيها لأعدائه ، وأما الدنيا فقد تعطى للكافر ، لعدم عزتها عنده ، لما في الحديث : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى الكافر منها جرعة ماء» ومعناه : لو كان للدنيا قدر عند الله لبقيت ببقائه ، ولو كانت باقية ، ما نعم الكافر فيها لهوانه عليه ، فقدر الله في الأزل ، أن الدنيا فانية زائلة لا قدر لها عنده ، فنعم فيها الكفار. قوله : (كفاية في دخول الجنة) أي من حيث إنه يوصل لمراضي الله تعالى في الدنيا ويؤنس صاحبه في القبر ، ويوضع في الميزان ، ويرقى به في درجات الجنة. قوله : (عاملين به) أي ممتثلين أوامره مجتنبين نواهيه. قوله : (أي للرحمة) أشار بذلك إلى أن (رَحْمَةً) منصوب على أنه مفعول لأجله ، ويصح أن يكون منصوبا على الحال ، أي أنه نفس الرحمة لما ورد : أن الأنبياء خلقوا من الرحمة ، ونبينا عين الرحمة ، أو على حذف مضاف ، أي ذا رحمة أو راحما ، لما في الحديث : «إنما أنا رحمة مهداة». قوله : (الإنس والجن) أي برا وفاجرا ، مؤمنا وكافرا ، لأنه رفع بسببه الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال ، ورحمة أيضا ، من حيث إنه جاء بما يرشد الخلق إلى السعادة العظمى ، فمن آمن فهو رحمة له دنيا وأخرى ، ومن كفر فهو رحمة له في الدنيا فقط.