ونزل لما تأخر الوحي أياما وقال النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل «ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) أي أمامنا من أمور الآخرة (وَما خَلْفَنا) من أمور الدنيا (وَما بَيْنَ ذلِكَ) أي ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة أي له علم ذلك جميعه (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) (٦٤) بمعنى ناسيا أي تاركا لك بتأخير الوحي عنك هو (رَبُ) مالك (السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) أي اصبر عليها (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٦٥) أي مسمى بذلك؟ لا (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) المنكر للبعث أبي بن خلف أو الوليد بن المغيرة النازل فيه الآية (أَإِذا)
____________________________________
وأتى باسم الإشارة البعيد ، إشارة لعلو رتبتها ورفيع منزلتها. قوله : (نُورِثُ مِنْ عِبادِنا) عبر بالميراث إشارة إلى أنهم يعطونها عطاء لا يرد ولا يبطل ، كالميراث. قوله : (مَنْ كانَ تَقِيًّا) أي سعيدا ، وهو من مات على كلمة الإخلاص ، ولو مصرا على الكبائر فمآله للجنة ، وإن أدخل النار وعذب فيها بقدر جرمه ، لأن الجنة جعلت مسكنا للموحدين ، والنار جعلت مسكنا للمشركين ، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة فاطر : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) إلى أن قال (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها). وقوله صلىاللهعليهوسلم : «من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر» ولكن الجنة مراتب ودرجات ، على حسب التفاوت في الأعمال الصالحة. قوله : (بطاعته) أي ولا بمجرد الإسلام. قوله : (ونزل لما تأخر الوحي) أي حين سأله اليهود ، عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين ، فقال : أخبركم غدا ، ولم يقل إن شاء الله ، فتأخر الوحي حتى شق على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم نزل بعد أربعين يوما ، وقيل خمسة عشر ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أبطأت علي حتى ساءني واشتقت إليك ، فقال جبريل : إني كنت أشوق ، ولكني عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست. قوله : (أكثر مما تزورنا) هذا عتاب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجبريل ، كأنه قال له : إن شوقي إليك في ازدياد ، فكان الرجاء فيك الزيارة لا الهجر.
قوله : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) هذا على لسان جبريل ، أمره الله تعالى بذلك اعتذارا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجوابا لسؤاله المذكور ، والتنزل النزول شيئا فشيئا. قوله : (من أمور الآخرة) بيان لما ، ويصح أن تهمل. قوله : (ما بَيْنَ أَيْدِينا) على ما يأتي ، وقوله : (وَما خَلْفَنا) على ما سبق ، وقوله : (وَما بَيْنَ ذلِكَ) على الحالة الراهنة. قوله : (له علم ذلك جميعه) أي تفصيلا ، وأما علم بعضه إجمالا ، فيكون لبعض الحوادث ، كالأنبياء والأولياء ، بإلهام من الله تعالى ، ومع ذلك فيكتمونه ، ولا يفشون منه إلا ما أذن لهم فيه ، إذا علمت ذلك ، فالتشدق بالتجري على المغيبات من الضلال المبين ؛ لأنه لو استند لقواعد فهي كاذبة ، ولو صادفت الحق بمصداق قوله صلىاللهعليهوسلم : «كذب المنجمون ولو صدقوا» وإن استند لكشف ، فصاحبه لا يطلع إلا على بعض جزئيات ، ومع ذلك هو مأمور بكتمها ، لأن الله قال لنبيه على لسان جبريل : (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) فكيف بغيره من آحاد الخلق. قوله : (أي تاركا لك) أي إن عدم التنزل لحكمة يعلمها الله لا تركا لك وهجرانا ، وهذه الآية بمعنى قوله تعالى (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى). قوله : (هو) قدره إشارة إلى أن رب خبر لمحذوف.