حال هي المقصودة بالهبة إجابة لسؤاله أن يرسل أخاه معه وكان أسن منه (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) لم يعد شيئا إلا وفى به وانتظر من وعده ثلاثة أيام أو حولا حتى رجع إليه في مكانه (وَكانَ رَسُولاً) إلى جرهم (نَبِيًّا) (٥٤) (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) أي قومه (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (٥٥) أصله مرضوو قلبت الواوان ياءين والضمة كسرة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) هو جد أبي نوح (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٥٦) (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) هو حي في السماء الرابعة أو السادسة أو السابعة أو في الجنة أدخلها بعد أن أذيق الموت وأحيي ولم يخرج
____________________________________
حيث قال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي). قوله : (وكان أسن منه) أي بسنة ، وقيل بأربع سنين. قوله : (إِسْماعِيلَ) أي ابن إبراهيم ، وكان من هاجر جارية سارة التي وهبتها له ، فلما ولدت له إسماعيل نقلها إلى الحجاز قبل بناء البيت ، فتربى إسماعيل بين جرهم عرب من اليمن فزوجوه ، فلما كبر أرسله الله إليهم ، كما قال المفسر ، ثم تناسلت منه العرب الذين منهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكفاه بهذا فخرا ، ولما كان أعظم مزية من أولاد إبراهيم ، أفرده بالذكر والثناء. قوله : (صادِقَ الْوَعْدِ) خص بهذا الوصف ، وإن كان موجودا في غيره من الأنبياء ، لأنه المشهور بين خصاله. قوله : (وانتظر من وعده) أي شخصا وعده إسماعيل ، وكان عليه إبراز الضمير ، لأن الصلة جرت على غير من هي له ، والمعنى أن إسماعيل وعد شخصا أن ينتظره في مكان ليذهب الرجل ويأتي له. فمكث ثلاثة أيام أو حولا.
قوله : (وَكانَ رَسُولاً) أي بشريعة أبيه. قوله : (قلبت الواوان) الخ أي فوقعت الواو الثانية متطرفة ، قلبت ياء فاجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسكون ، قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء ، وهذا الوصف جامع لكل خير ، لأن من كانت أفعاله مرضية لربه ، ولا يصدر عنه إلا كل بر وإحسان ، ولا شك أن الأنبياء كذلك ، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته. قوله : (إِدْرِيسَ) هذا لقبه ، واسمه أخنوخ بن شيث بن آدم ، ولقب بذلك لأنه أول من درس الكتب ، لأن الله أنزل عليه ثلاثين صحيفة ، قيل هي التي نزلت على أبيه وقيل غيرها ، وهو أول من خط القلم ، وخاط الثياب ، واتخذ السلاح ، وقاتل الكفار ، ونظر في علم النجوم والحساب. قوله : (هو جد أبي نوح) أي لأن نوحا بن لمك ، بفتح اللام وسكون الميم ، ابن متوشلخ بن إدريس. قوله : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) اختلف المفسرون في المكان العلي ، فقيل المراد به المكان المعنوي ، وهو الرفعة وعلو المنزلة ، وقيل المراد به المكان الحسي ، وعليه فقيل هو السماء الرابعة ، وقيل الجنة ، واختلفوا في سبب رفعه ، فقيل إنه كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة ، مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه ، فعجب منه الملائكة ، واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربه في زيارته فأذن له ، فأتاه في صورة بني آدم ، وكان إدريس يصوم الدهر ، فلما كان وقت إفطاره ، دعاه إلى طعامه ، فأبى أن يأكل معه ، ففعل ثلاث ليال ، فأنكره إدريس وقال له في الليلة الثالثة : إني أريد أن أعلم من أنت؟ قال : أنا ملك الموت ، استأذنت ربي أن أصحبك ، فقال إدريس : لي إليك حاجة ، قال : ما هي؟ قال : تقبض روحي ، فأوحي الله إليه أن أقبض روحه ، فقبضها وردها إليه في ساعة ، فقال له ملك الموت : ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال : لأذوق الموت وغمته ، فأكون أشد استعدادا ، ثم قال له