فلا يفهمونه (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) تقلا فلا يسمعونه (وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) (٤٦) عنه (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) بسببه من الهزء (إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) قراءتك (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) ينتاجون بينهم أي يتحدثون (إِذْ) بدل من إذ قبله (يَقُولُ الظَّالِمُونَ) في تناجيهم (إِنْ) ما (تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) (٤٧) مخدوعا مغلوبا على عقله ، قال تعالى : (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) بالمسحور والكاهن والشاعر (فَضَلُّوا) بذلك عن الهدى (فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) (٤٨) طريقا إليه (وَقالُوا) منكرين للبعث (أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٤٩) (قُلْ) لهم (كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً) (٥٠) (أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) يعظم عن قبول الحياة فضلا عن العظام والرفات فلا بد من إيجاد الروح فيكم (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا) إلى الحياة (قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ) خلقكم (أَوَّلَ مَرَّةٍ) ولم تكونوا شيئا لأن القادر على البدء
____________________________________
حجبا معنوية تمنعهم من إدراكه. قوله : (فلا يسمعونه) أي إما أصلا كما وقع لبعض الكفار ، حيث كان النبي يقرأ القرآن وهم لا يسمعونه ، أو المنفي سماع التدبر والاتعاظ ، وهو موجود في جميع الكفار والمنافقين. قوله : (وَحْدَهُ) حال من قوله : (رَبَّكَ) بمعنى منفردا في الألوهية. قوله : (وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً) أي أعرضوا ولم يؤمنوا.
قوله : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ) المقصود من هذه الآية ، تسلية النبي صلىاللهعليهوسلم عما وقع من المشركين وتهديد لهم ، حيث كانوا يجلسون عند النبي مظهرين الاستماع ، وفي الواقع قاصدين الاستهزاء قوله : (من الهزء) بيان لما. قوله : (إِذْ يَسْتَمِعُونَ) ظرف لأعلم ، وكذا قوله : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) والمعنى نحن أعلم بالذي يستمعون بسببه ، وقت استماعهم إليك ووقت تناجيهم. قوله : (نَجْوى) إما مصدر أو جمع نجي. قوله : (بدل من إذ قبله) أي وهو قوله : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) قوله : (يَقُولُ الظَّالِمُونَ) أي لبعضهم ، أو لمن كان قريبا منهم في المجلس من المؤمنين. قوله : (كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ) أي حيث شبهوك بالأوصاف الناقصة ، كالمسحور والشاعر والكاهن. قوله : (فَضَلُّوا) (بذلك عن الهدى) أي لأن الهدى تابع للتسليم ، وحسن العقيدة ، وهؤلاء بريئون من ذلك. قوله : (طريقا إليه) أي إلى الهدى لعدم تيسير أسبابه لهم. قوله : (منكرين للبعث) أشار بذلك إلى أن الاستفهام للإنكار والاستبعاد. قوله : (وَرُفاتاً) هو ما بولغ في تفتيته ودقه حتى يصير كالتراب ، وقيل هو التراب يؤيده أنه تكرر في القرآن ترابا وعظاما.
قوله : (قُلْ كُونُوا حِجارَةً) أي جوابا عن إنكارهم البعث. والمعنى قل لهم : لو صرتم حجارة أو حديدا أو خلقا آخر غيرهما ، كالسماوات والأرض والجبال ، فلا بد من إيجاد الحياة فيكم ، فإن قدرة الله لا تعجز عن إحيائكم ، وإعادتكم للجسمية والروحية ، فكيف إذا كنتم عظاما ورفاتا؟ وليس المراد الأمر ، بل المراد أنكم لو كنتم كذلك ، لما أعجزتم الله عن الإعادة. قوله : (مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ) أي اعتقادكم. والمعنى لو كنتم أشياء يعظم في اعتقادكم قبولها الحياة ، لكونها بعيدة منها ، لأحياكم الله ، إذ القادر لا يعجزه شيء.