(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (١٩) (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ) بالتاء والياء تعبدون (مِنْ دُونِ اللهِ) وهم الأصنام (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (٢٠) يصورون من الحجارة وغيرها (أَمْواتٌ) لا روح فيهم خبر ثان (غَيْرُ أَحْياءٍ) تأكيد (وَما يَشْعُرُونَ) أي الأصنام (أَيَّانَ) وقت (يُبْعَثُونَ) (٢١) أي الخلق فكيف يعبدون إذ لا يكون إلها إلا الخالق الحي العالم بالغيب (إِلهُكُمْ) المستحق العبادة منكم (إِلهٌ واحِدٌ) لا نظير له في ذاته ولا في صفاته وهو الله تعالى (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) جاحدة للوحدانية (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) (٢٢) متكبرون عن الإيمان بها (لا جَرَمَ) حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) فيجازيهم بذلك (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (٢٣) بمعنى أنه يعاقبهم. ونزل في النضر بن الحرث (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما) استفهامية
____________________________________
عليكم مع تقصيركم) أي ولم يقطع نعمة عنكم بسبب ذلك ، بل وسعها عليكم. قوله : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) أي ما تخفون من العقائد والأعمال ، وما تظهرونه من ذلك. قوله : (بالياء والتاء) فهما قراءتان سبعيتان في قوله : تدعون فقط ، وأما (تُسِرُّونَ) و (تُعْلِنُونَ) فبالتاء الفوقية سبعية ، والياء التحتية شاذة. قوله : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) ليس تكرارا مع قوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) لأنه أولا أفاد أنهم لا يخلقون شيئا ، وهنا أفاد أنهم مع كونهم لم يخلقوا شيئا ، هم مخلوقون ، ففيه زيادة فائدة. قوله : (خبر ثان) أي والأول قوله : (يَخْلُقُونَ) وقوله : (وَما يَشْعُرُونَ) خبر ثالث. قوله : (أي الخلق) ويصح أن يعود الضمير على الأصنام ، والمعنى أن الأصنام لا تشعر متى يبعثها الله ، قال ابن عباس : إن الله تعالى يبعث الأصنام ، لها أرواح ومعها شياطينها ، فتتبرأ من عابديها ، فيأمر الله بالكل إلى النار.
قوله : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) هذا نتيجة ما قبله ، أي فحيث ثبت أنه الخالق لتلك الأشياء المتقدم ذكرها ، فقد تقرر أنه المعبود المتصف بالوحدة في الذات والصفات والأفعال ، فلا شريك له فيها قوله : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) أي لا يصدقون بها ، وما يحصل فيها من بعث وحساب وجزاء وهذا نتيجة قوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وحينئذ فيكون المعنى : أتى أمر الله ، فآمنوا وصدقوا أخبارنا ولا تنكروها ، فالذين لا يؤمنون الخ. قوله : (متكبرون) أشار بذلك إلى أن السين مزيدة للتوكيد.
قوله : (لا جَرَمَ) تقدم أن فيها ثلاثة أوجه ، أحسنها أن (لا) نافية ، ومنفيها محذوف ، و (جَرَمَ) فعل ماض بمعنى حق وثبت وأن وما دخلت عليه في محل رفع فاعل ، وحينئذ يصير المعنى : لا عبرة بإنكار الكفار واستكبارهم ، بل حق وثبت ، علم الله بما يسرونه وما يعلنونه ، وعلى هذا فقول المفسر (حقا) مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره حق حقا. قوله : (بمعنى أنه يعاقبهم) روي عن الحسين بن علي أنه مر بمساكين قد قدموا كسرا لهم وهم يأكلون فقالوا : الغذاء يا أبا عبد الله ، فنزل وجلس معهم وقال : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) ثم أكل ، فلما فرغوا قال : قد أجبتكم فأجيبوني ، فقاموا معه إلى منزله ، فأطعمهم وسقاهم وأعطاهم فانصرفوا ، وفي الحديث «إن المتكبرين يحشرون أمثال الذر يوم القيامة ، تطؤهم الناس بأقدامهم لتكبرهم». قوله : (ونزل في النضر بن الحرث) أي في شأنه وسببه. وكان عنده كتب التواريخ ، ويزعم أن حديثه أحسن مما أنزل على محمد.