باختيار منكم (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) تشربونه (وَمِنْهُ شَجَرٌ) ينبت بسببه (فِيهِ تُسِيمُونَ) (١٠) ترعون دوابكم (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور (لَآيَةً) دالة على وحدانيته تعالى (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (١١) في صنعه فيؤمنون (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ) بالنصب عطفا على ما قبله والرفع مبتدأ (وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ) بالوجهين (مُسَخَّراتٌ) بالنصب حال والرفع خبر (بِأَمْرِهِ) بإرادته (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١٢) يتدبرون (وَ) سخر لكم (ما ذَرَأَ) خلق (لَكُمْ فِي الْأَرْضِ) من
____________________________________
الطريق المستقيم بأجمعكم ، ولكنه لم يشأ ذلك ، فلم يحصل لما سبق في عمله ، أن الجنة لها أهل ، وأن النار لها أهل.
قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) لما ذكر سبحانه وتعالى منته على بني آدم بخلق الحيوانات الخاصة بهم ، أعقبه بذكر نعمه عامة لكل الحيوانات ، آدميين وغيرهم ، وهي إنزال الماء من السماء ، الناشىء عنه النباتات ، التي ينتفع بها جميع الحيوانات. قوله : (لَكُمْ) الجار والمجرور صفة لماء ، وقوله : (مِنْهُ شَرابٌ) مبتدأ وخبر. إن قلت : إنه ليس خاصا ببني آدم ، بل هو عام لكل حيوان. أجيب : بأن بني آدم هم المقصودون بالذات ، وغيرهم بالتبع ، والضمير في (مِنْهُ) عائد على الماء ، أي تشربون من ماء السماء. إن قلت : إن غالب الشرب ، يكون من السحاب والأنهار والعيون ، وهي بالأرض. أجيب : بأن أصل الماء الكائن في الأرض من السماء ، لقوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ). قوله : (وَمِنْهُ شَجَرٌ) المراد بالشجر هنا مطلق النبات ، سواء كان له ساق أم لا. قوله : (ينبت بسببه) أشار بذلك إلى أن من الثانية للسببية ، وأما الأولى فهي ابتدائية. قوله : (يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ) المراد به الحب الذي يقتات ، وقدمه لأن به قوام البدن ، وثنى بالزيتون لأنه إدام ودهن ، وثلث بذكر النخيل لأنه غذاء وتفكه ، وأخر الأعناب لأنها تشبه النخيل في ذلك. قوله : (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) عطف عام على خاص. قوله : (المذكور) أي من إنزال الماء وإنبات النبات قوله : (لَآيَةً) ذكر لفظ الآية في هذه السورة سبع مرات ، خمس بالأفراد ، واثنتان بالجمع. والحكمة في ذلك : أن ما جاء بلفظ الأفراد. باعتبار المعلول الذي هو وحدانية الحق ، وما جاء بلفظ الجمع ، فباعتبار الدليل ، فإن في كل شيء آية تدل على أنه الواحد.
قوله : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) لما ذكر النعم الكائنة في العالم السفلي ، أعقبه بذكر النعم الكائنة في العالم العلوي ، وكل ذلك لنفع العالم وتمام نظامه. قوله : (بالنصب) أي ففي الشمس والقمر والنجوم ومسخرات ، قراءتان سبعيتان ، الرفع والنصب. قوله : (مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ) أي مذللات بإرادته ، فهو سبحانه وتعالى ، المؤثر في العالم العلوي والسفلي ، فلا تتحرك ذرة في الدنيا ، ولا تسكن إلا بتأثير الله فيها ، وإنما هذه الأشياء أسباب عادية ، يوجد النفع عندها لا بها ، ففي هذه الآية رد على القائلين : إن العالم العلوي ، هو المؤثر في العالم السفلي ، بطبع أو علة. قوله : (بالنصب حال) أي مؤكدة لعاملها ، وهو سخر.
قوله : (لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) عبر هنا بالعقل ، إشارة إلى أن العالم العلوي مغيب عن الأبصار ، فيحتاج