فلما قرب في الطريق الى مكة وحضرت صلاة الظهر أذن بلال ، وصلّى رسول الله الظهر بالناس ، فقال خالد بن الوليد : لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم ، فانهم لا يقطعون صلاتهم. ثم قال : ولكن تجيء لهم بعد الآن صلاة اخرى احب إليهم من ضياء ابصارهم ، فاذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم!
__________________
وروى ابن اسحاق بسنده عن المسور بن مخرمة قال : وخرج رسول الله حتى كان بعسفان (على مرحلتين من مكة ـ معجم البلدان) فلقيه بشر بن سفيان الكعبي (الذي كان قد بعثه النبي الى مكة عينا له) فقال له : يا رسول الله هذه قريش قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل [العائذات ومعهن اطفالهن] قد لبسوا جلود النمور ، وقد نزلوا بذي طوى [قرب مكة] يعاهدون الله : لا تدخلها عليهم ابدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدّموها الى كراع الغميم [واد بعد عسفان بثمانية اميال].
فقال رسول الله : يا ويح قريش! لقد أكلتهم الحرب ، ما ذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الاسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة! فما تظن قريش؟! فو الله لا أزال اجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة [أي صفحة العنق ، كناية عن الموت].
ثم أمر رسول الله الناس أن يسلكوا ذات اليمين طريقا تخرجهم على ثنيّة المرار مهبط الحديبية في أسفل مكة.
فلما رأت خيل قريش من قتار جيش المسلمين أنهم خالفوا طريقهم ، الى مكة ـ سيرة ابن هشام ٣ : ٣٢٣ ، ٣٢٤. وهذه هي رواية ابن اسحاق عن ابن شهاب ، وعليها فقد كان كل ذلك على بعد فيما بين المسلمين والمشركين ، ولم يكن بينهم قبل الحديبية من القرب ما يوجب صلاة الخوف كما يظهر من الخبر الثاني عن تفسير القمي ومغازي الواقدي.