فقال : فاذهب فانظر ما فعل القوم؟ ...
فقلت : ولكنّي أخاف أن يمثّلوا بي!
فقال : ليس عليك بأس! ثمّ قال :
فاذهب فادخل في القوم فانظر ما ذا يقولون ...
فأقبلت فجلست على نار مع القوم. فقام أبو سفيان فقال : احذروا الجواسيس والعيون ، ولينظر كلّ رجل جليسه.
فالتفتّ فقلت : من أنت؟ لمن عن يميني. فقال : عمرو بن العاص. والتفتّ فقلت : من أنت؟ (لمن عن يساره) فقال : معاوية بن أبي سفيان. ثمّ قال أبو سفيان : إنّكم ـ والله ـ لستم بدار مقام ؛ لقد هلك الخفّ والكراع وأجدب الجناب ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم ما نكره ، ولقد لقينا من الريح ما ترون! والله ما يثبت لنا بناء (١) ولا تطمئن لنا قدر ، فارتحلوا فإنّي مرتحل. وقام أبو سفيان وجلس على بعيره وهو معقول ، ثمّ ضربه فوثب على ثلاث قوائم ، فما اطلق عقاله إلّا بعد ما قام.
فناداه عكرمة بن أبي جهل : إنّك رأس القوم وقائدهم ، تقشع وتترك الناس؟!
فاستحيا أبو سفيان وأناخ جمله ونزل عنه وأخذ بزمامه وهو يقوده ويقول : ارحلوا.
فجعل الناس يرتحلون وهو قائم حتّى خفّ العسكر.
ثمّ قال لعمرو بن العاص : يا أبا عبد الله ، لا بدّ لي ولك أن نقيم في جريدة من خيل بإزاء محمّد وأصحابه ـ فإنّا لا نأمن أن نطلب ـ حتى ينفذ العسكر. فقال
__________________
(١) البناء : الخباء.