وامتاز المسلمون عن المشركين وكانوا ناحية ، ثمّ التحمت الحرب واصطدم الفيلقان.
قلت : ثمّ ما ذا؟
قال : لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله صلىاللهعليهوآله والمشركون يتكاثرون عليهم ويقتلون فيهم ، حتى لم يبق من النهار إلّا القليل والدولة للمشركين (١).
وقال بعد هذا : كنت بالنظاميّة ببغداد وأنا غلام ، فحضرت في بيت خازن الكتب بها عبد القادر بن داود المحب الواسطي ، وعنده في البيت باتكين الرومي (التركي) الذي ولي إربل أخيرا ، وعنده أيضا جعفر بن مكّي الحاجب أيضا ـ وكان باتكين مسلما وكان جعفر سامحه الله مغموصا عليه في دينه. فجرى ذكر يوم احد وشعر ابن الزّبعرى وأنّ المسلمين اعتصموا بالجبل فأصعدوا فيه وأنّ الليل حال أيضا بين المشركين وبينهم ، فأنشدنا ابن مكّي بيتين لأبي تمام متمثّلا :
لو لا الظلام وقلّة علقوا بها |
|
باتت رقابهم بغير قلال |
فليشكروا جنح الظلام وذرودا |
|
فهم لذرود والظلام موالي |
فقال باتكين : لا تقل هذا ولكن قل : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٢).
والآية الكريمة ـ كشعر ابن الزبعرى ـ تخلو عن ذكر الظلام ، بل هو ظلم من الكلام ، فقد مرّ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله صلّى الظهر في الجبل جالسا ثمّ صلّى على القتلى وحضر دفن بعضهم ثمّ انحدر إلى المدينة عصرا فدخل داره ثمّ أذّن بلال للمغرب فخرج فصلّى. فأين الظلام في احد؟!
__________________
(١) شرح النهج ١٤ : ٢٤٥ و ٢٤٦.
(٢) آل عمران : ١٥٢.