وسيئاته ، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته. وقيل : الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه ، والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره. وقيل : الظالم من وحّد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله ، والمقتصد من وحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه. والسابق من وحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله.
وقيل : الظالم التالي للقرآن ، والمقتصد القارئ له العالم به ، والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه. وقيل : الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر ، والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة ، وقال سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم ، والظالم الجاهل. قال جعفر الصادق : بدأ بالظالمين إخبارا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ، ثم ثنّى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره ، وكلهم في الجنة. وقال أبو بكر الوراق : رتّبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لأن أحوال العبد ثلاثة معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة ، فإن عصى دخل في حيز الظالمين ، فإذا تاب دخل في جملة المقتصدين ، فإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين.
وقال بعضهم : المراد بالظالم الكافر ذكره الكلبي. وقيل : المراد منه المنافق ، فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣] وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتب. والأول هو المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون ، وعليه عامة أهل العلم. قوله : (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) أي : سابق إلى الجنة أو (١) إلى رحمة الله (بِالْخَيْراتِ) أي بالأعمال الصالحات ، (بِإِذْنِ اللهِ) ، بأمر الله وإرادته ، (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ، يعني إيراثهم الكتاب.
(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥))
ثم أخبر بثوابهم فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) ، يعني الأصناف الثلاثة ، قرأ أبو عمرو «يدخلونها» بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ، (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).
(وَقالُوا) ، أي ويقولون إذا دخلوا الجنة ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ، والحزن واحد كالبخل والبخل. قال ابن عباس : حزن النار. وقال قتادة : حزن الموت. وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم. وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات. وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ، وقيل : حزن أهوال يوم القيامة. وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير : همّ الخبز في الدنيا. وقيل : همّ المعيشة. وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد.
__________________
(١) في المطبوع «و» بدل «أو».