[١٦٩٦] قال : وحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمسا وعشرين ليلة حتى أجهدهم (١) الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب وكان حيي بن أخطب دخل على بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده ، فلما أيقنوا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد : يا معشر يهود إنه قد نزل بكم من الأمر ما ترون وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم ، قالوا : وما هن؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه فو الله إنه لقد تبين لكم أنه مرسل وأنه الذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنوا على دياركم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم ، قالوا : لا نفارق حكم التوراة أبدا ولا نستبدل به غيره ، قال كعب : فإذا أبيتم هذه فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج إلى محمد [وأصحابه](٢) رجالا مصلتين بالسيوف ولم نترك وراءنا ثقلا يهمنا حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن نهلك [نهلك](٣) ولن نترك وراءنا شيء نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنتخذنّ النساء والأبناء ، فقالوا نقتل هؤلاء المساكين فما خير في العيش بعدهم ، قال : فإن أبيتم هذه فإن الليلة ليلة السبت وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد أمنوا فيها فانزلوا لعلّنا أن نصيب من محمد وأصحابه غرة ، قالوا : أنفسد سبتنا ونحدث فيه ما لم يكن أحدث فيه من كان قبلنا إلا (٤) من قد علمت (٥) فأصابهم من المسخ ما لم يخف عليك ، فقال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر حازما؟ قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس نستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال وهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه فرقّ لهم ، فقالوا [له](٦) : يا أبا لبابة أترى لنا أن ننزل على حكم محمد؟ قال : نعم ، قالوا : ما ذا يفعل بنا إذا نزلنا؟ فأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح ، قال أبو لبابة فو الله ما زالت قدماي حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله ، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ، وقال : لا أبرح من مكاني حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعاهد الله أن لا يطأ أرض بني قريظة أبدا ولا يراني الله في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا ، فلما بلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبره وأبطأ عليه ، قال : أما لو قد جاءني لاستغفرت له فأما إذا فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه ، ثم إن الله تعالى أنزل توبة أبي لبابة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو في بيت أم سلمة ، قالت أم سلمة فسمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يضحك فقلت مم تضحك يا رسول الله أضحك الله سنك؟ قال : تيب على أبي لبابة ، فقلت : ألا أبشره بذلك يا رسول الله؟ فقال : بلى إن شئت ، فقامت على باب حجرتها وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك ، قال : فثار الناس عليه ليطلقوه فقال : لا والله حتى يكون رسول الله هو الذي يطلقني بيده ، فلما مرّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم خارجا إلى [صلاة](٧) الصبح أطلقه ، قال : ثم إن ثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعية وأسيد بن عبيد وهم نفر من بني هذيل ليسوا من بني قريظة ولا النضير نسبهم فوق ذلك هم بنو عم القوم أسلموا تلك الليلة التي نزل فيها بنو قريظة
__________________
[١٦٩٦] ـ أخرجه الطبري ٢٨٤٤٦ من طريق محمد بن إسحاق عن أبيه عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري مرسلا ، لكن لأصله شواهد.
(١) في المطبوع «جهدهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «إما» وفي الطبري «أما».
(٥) تصحف في المطبوع «عملت».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.