قوله عزوجل : (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) ، أي جزاء صدقهم ، وصدقهم هو الوفاء بالعهد ، (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) ، فيهديهم إلى الإيمان ، (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).
(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، من قريش وغطفان ، (بِغَيْظِهِمْ) ، لم يشف صدورهم بنيل ما أرادوا ، (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) ، ظفرا ، (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) ، بالملائكة والريح ، (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) ، قويا في ملكه عزيزا في انتقامه.
(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) ، أي عاونوا الأحزاب من قريش وغطفان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمين وهم بنو قريظة ، (مِنْ صَياصِيهِمْ) ، حصونهم ومعاقلهم ، واحدها صيصية ، ومنه قيل للقرن شوكة الديك والحاكة صيصية.
[١٦٩٥] وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أصبح من الليلة التي انصرف الأحزاب فيها راجعين إلى بلادهم وانصرف النبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون عن الخندق إلى المدينة ، ووضعوا السلاح فلما كان الظهر أتى جبريل رسول الله صلىاللهعليهوسلم معتجرا بعمامة من إستبرق على بغلة عليها رحالة وعليها قطيفة من ديباج ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم عند زينب بنت جحش وهي تغسل رأسه وقد غسلت شقه ، فقال : قد وضعت السلاح يا رسول الله؟ قال : «نعم» فقال جبريل : عفا الله عنك ما وضعت الملائكة السلاح منذ أربعين ليلة ، وما رجعت الآن إلّا من طلب القوم.
وروي أنه كان الغبار على وجه جبريل عليهالسلام وفرسه فجعل النبي صلىاللهعليهوسلم يمسح الغبار عن وجهه وعن فرسه ، فقال [جبريل](١) : إن الله يأمرك بالسير إلى بني قريظة وأنا عامد إلى بني قريظة فانهد (٢) إليهم فإني قد قطعت أوتارهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبلبال ، فأمر النبي صلىاللهعليهوسلم مناديا فأذن أن من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلّا في بني قريظة ، وقدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه برايته إليهم ، وابتدرها الناس فسار علي رضي الله عنه حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فرجع حتى لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالطريق ، فقال : يا رسول الله لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث ، قال : لم ، أظنك سمعت لي منهم أذى؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : لو قد رأوني لم يقولوا من ذلك شيئا ، فلما دنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حصونهم قال : يا إخوان القردة والخنازير هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته؟ قالوا : يا أبا القاسم ما كنت جهولا ، ومرّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أصحابه بالصور من قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال : هل مرّ بكم أحد؟ قالوا : نعم يا رسول الله مرّ بنا دحية بن خليفة الكلبي على بغلة بيضاء عليها رحالة عليها قطيفة ديباج ، فقال عليهالسلام : ذاك جبريل بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ويقذف الرعب في قلوبهم ، فلما أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بني قريظة نزل على بئر من آبارها في ناحية من أموالهم [يقال لها بئر أناء](٣) ، فتلاحق به الناس فأتاه رجال من بعد صلاة العشاء الآخرة ولم يصلوا العصر لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يصلّين أحد العصر إلّا في بني قريظة» ، فصلوا العصر بها بعد العشاء الآخرة فما عابهم الله بذلك ولا عنفهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
[١٦٩٥] ـ أخرجه الطبري ٢٨٤٤٣ عن قتادة مرسلا ، و ٢٨٤٤٤ عن الزهري مرسلا ، وفي الباب روايات تتأيد بمجموعها ، والله أعلم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «فانهز».
(٣) زيادة عن المخطوط.