المنافق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ، ما وعدنا الله ورسوله إلّا غرورا ، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن قيظي : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو ، وذلك على ملأ من رجال قومه ، فائذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة ، فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى ، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى عيينة بن حصن ، وإلى الحارث بن عمر وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلثا ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح على ذلك ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه ، فقالا : يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه ، أم شيء تصنعه لنا؟ قال : [لا](١) بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأخذوا منّا ثمرة واحدة ، إلّا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ، ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : فأنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ، ثم قال : ليجهدوا علينا فأقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم](٢) ، [ولم يكن بينهم قتال إلّا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر ، قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بني كنانة فقالوا : تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تعنق (٣) نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته (٤) الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلّما ليرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله قال له علي : يا عمرو إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما ، قال : أجل ، فقال له علي بن أبي طالب : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلى النزال ، قال : ولم يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك ، قال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي فتناولا وتجاولا ، فقتله علي فخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هارية ، وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم ، فمات منه بمكة ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وكان [قد](٥) اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة ، فقال : يا معشر العرب قتله أحسن من هذا ، فنزل إليه علي فقتله ، فغلب المسلمون على جسده ، فسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) الفقرة الثانية من الحديث.
(٣) في المخطوط «تعتق».
(٤) في المطبوع «أثبته».
(٥) زيادة عن المخطوط.