رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام ، وخرج عدو الله حيي بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلىاللهعليهوسلم على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه حيي فأبى أن يفتح له فناداه حيي : يا كعب افتح لي ، فقال : ويحك يا حييّ إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، قال : ويحك افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا فاعل ، قال : والله إن علقت دوني إلا على حشيشتك (١) أن آكل معك منها فاحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى (٢) إلى جانب أحد ، وقد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه ، قال له كعب بن أسد : جئتني والله بذل الدهر وبجام قد هراق ماؤه برعد وبرق ، ليس فيه شيء ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلّا صدقا ووفاء ، فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له ، على أن أعطاه من الله عهدا وميثاقا ووفاء لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم](٣) ، [فلما انتهى إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل ، وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث (٤) بن الخزرج ، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتّوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهرا للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد ، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه ، وكان رجلا فيه حدة ، فقال له سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسلموا عليه وقالوا : عضل والقارة [أي](٥) لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين ، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض
__________________
ـ والثالث أخرجه البيهقي ٣ / ٤٣٥ ـ ٤٣٧ بالإسناد المذكور عند رقم ١٦٧٦.
ـ والرابع أخرجه البيهقي ٣ / ٤٤٠ من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن سهل عن عائشة وإسناده ضعيف ، عبد الله بن سهل عن عائشة منقطع ، لكن لبعضه شواهد.
(١) طعام يصنع من البر الخشن.
(٢) في المطبوع «نعمى».
(٣) الفقرة الأولى من الحديث.
(٤) في المطبوع «الحارث» وفي المخطوط «بالحارث» والمثبت عن «السيرة» ٣ / ١٧٥ و ـ ط.
(٥) زيادة عن «السيرة النبوية» ٣ / ١٧٥.