أراد من يمدحه ومن ينصره فأضمر من ، يريد لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء في السماء. وقال قطرب : معناه وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء لو كنتم فيها ، كقول الرجل (١) [للرجل](٢) لا يفوتني فلان هاهنا ولا بالبصرة أي ولا بالبصرة لو كان بها ، (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) ، أي من ولي يمنعكم مني ولا نصير ينصركم من عذابي.
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ وَلِقائِهِ) بالقرآن وبالبعث ، (أُولئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) ، جنتي ، (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، فهذه الآيات في تذكير أهل مكة وتحذيرهم ، وهي معترضة في قصة إبراهيم ثم عاد إلى قصة إبراهيم ، قال جل ذكره :
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) ، وجعلها عليه بردا وسلاما ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ، يصدقون.
(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥) فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٢٨) أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٩))
(وَقالَ) ، يعني إبراهيم لقومه ، (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) ، قرأ ابن كثير والكسائي وأبو عمرو ويعقوب : «مودة» رفعا بلا تنوين ، «بينكم» خفضا بالإضافة على معنى : إن الذين اتخذتم من دون الله أوثانا هي مودة بينكم ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، ثم هي تنقطع ولا تنفع في الآخرة ، وقرأ حمزة وحفص : «مودة» نصبا بغى تنوين على الإضافة بوقوع الاتخاذ عليها ، وقرأ الباقون «مودة» منصوبة منونة بالنصب ، معناه إنكم [إنما](٣) اتخذتم هذه الأوثان مودة بينكم في الحياة الدنيا تتواردون على عبادتها وتتواصلون عليها في الدنيا ، (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، تتبرأ الأوثان من عابديها وتتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة ، (وَمَأْواكُمُ) ، جميعا العابدون والمعبودون ، (النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ).
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) ، يعني صدقه وهو أول من صدق إبراهيم وكان ابن أخيه ، (وَقالَ) يعني إبراهيم (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) ، فهاجر من كوثى وهو أول (٤) سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ، ومعه لوط وامرأته سارة وهو أول من هاجر ، قال مقاتل : هاجر إبراهيم عليهالسلام وهو ابن خمس وسبعين سنة ، (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
__________________
(١) في المطبوع «القائل».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «من».