فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) ، أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة ، أي جزع من أذى (١) الناس ولم يصبر عليه ، فأطاع الناس كما يطيع الله من خاف (٢) [من](٣) عذابه ، هذا قول السدي وابن زيد ، قالا هو المنافق : إذا أوذي في الله رجع عن الدين فكفر ، (وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ) ، أي فتح ودولة للمؤمنين ، (لَيَقُولُنَ) ، يعني هؤلاء المنافقين للمؤمنين ، (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) ، على عدوكم وكنا مسلمين وإنما أكرهنا حتى قلنا ما قلنا فكذّبهم الله فقال : (أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ ،) من الإيمان والنفاق.
(وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، صدقوا فثبتوا على الإسلام عند البلاء ، (وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) ، بترك الإسلام عند نزول البلاء ، واختلفوا في [سبب](٤) نزول هذه الآية.
قال مجاهد : نزلت في ناس كانوا يؤمنون بألسنتهم فإذا أصابهم بلاء من الناس أو مصيبة في أنفسهم افتنوا.
وقال عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه : نزلت في الذين أخرجهم المشركون معهم إلى بدر ، وهم الدين نزلت فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧].
وقال قتادة : نزلت في القوم الذين ردهم المشركون إلى مكة ، قال الشعبي : وهذه الآيات العشر من أول السورة إلى هاهنا مدنية وباقي السورة مكية.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا) ، قال مجاهد : هذا من قول فار مكة لمن آمن منهم. وقال الكلبي ومقاتل : قاله أبو سفيان لمن آمن من قريش اتبعوا سبيلنا ديننا وملة آبائنا ونحن الكفلاء بكل تبعة من الله تصيبكم ، فذلك قوله : (وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) أوزاركم ، قال الفراء : لفظه أمر ومعناه خير ، مجازه : إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم ، كقوله : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ) [طه : ٣٩] ، وقيل : هو جزم على الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك فأكذبهم الله عزوجل فقال : (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) ، أي فيما قالوا من حمل خطاياهم.
(وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) ، أوزار أعمالهم التي عملوها بأنفسهم ، (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) ، أي أوزار من أضلوا وصدوا عن سبيل الله مع أوزارهم ، نظيره قوله عزوجل : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [النمل : ٢٥]. (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) ، سؤال توبيخ وتقريع.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ (١٤) فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (١٥) وَإِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦) إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٨))
__________________
(١) في المطبوع «عذاب».
(٢) في المطبوع «يخاف».
(٣) زيدة عن «الوسيط» ٣ / ٤١٤.
(٤) زيادة عن المخطوط.