كائنة ، وهم في شك منها في وقتهم ، فيكون بمعنى الأول ، وقيل : هو على طريق الاستفهام ، معناه : هل تدارك وتتابع علمهم بذلك في الآخرة؟ يعني : لم يتتابع وضل وغاب علمهم به فلم يبلغوه ولم يدركوه ، لأن في الاستفهام ضربا من الجحد يدل عليه قراءة ابن عباس «بلى» بإثبات الياء ، «ادّارك» بفتح الألف على الاستفهام ، يعني : لم يدرك ، وفي حرف أبيّ «أم تدرك علمهم» ، والعرب تضع بل موضع أم وأم موضع بل ، وجملة القول فيه أن الله أخبر أنهم إذا بعثوا يوم القيامة يستوي علمهم في الآخرة وما وعدوا فيها من الثواب والعقاب ، وإن كانت علومهم مختلفة في الدنيا ، وذكر علي بن عيسى [الرماني](١) أن معنى «بل» هاهنا لو ومعناه لو أدركوا في الدنيا ما أدركوا في الآخرة لم يشكوا بل هم في شك منها ، بل هم اليوم في الدنيا في شكّ من الساعة. (بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ) ، جمع عم وهو الأعمى القلب. قال الكلبي : يقول هم جهلة بها.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني مشركي مكة ، (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) ، من قبورنا أحياء ، قرأ أهل المدينة «إذا» غير مستفهم «أإنّا» بالاستفهام ، وقرأ ابن عامر والكسائي «أإنّا» بهمزتين «أننا» بنونين ، وقرأ الآخرون بالاستفهام [فيهما](٢).
(لَقَدْ وُعِدْنا هذا) ، أي هذا البعث ، (نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل محمد وليس ذلك بشيء (إِنْ هذا) ، ما هذا (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) أحاديثهم وأكاذيبهم التي كتبوها.
(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (٦٩).
(وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ، على تكذيبهم إياك وإعراضهم عنك ، (وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ، نزلت في المستهزئين الذين اقتسموا أعقاب مكة.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٧١).
(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (٧٢) وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤) وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٧٥) إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (٧٨))
(قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ) ، أي دنا وقرب ، (لَكُمْ) ، وقيل تبعكم والمعنى ردفكم أدخل فيه اللام كما أدخل في قوله : (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤] قال الفراء : اللام صلة زائدة كما تقول نقدته مائة ونقدت له (بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) من العذاب فحل بهم ذلك يوم بدر.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) ، قال مقاتل : على أهل مكة حيث لم يعجل عليهم العذاب ، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ) ذلك.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُ) ، تخفي ، (صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ).
(وَما مِنْ غائِبَةٍ) ، أي جملة غائبة من مكتوم سرّ وخفي أمر وشيء غائب ، (فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) ، أي في اللوح المحفوظ.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.