(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ) ، أي يبيّن لهم ، (أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ، من أمر الدين ، قال الكلبي : إن أهل الكتاب اختلفوا فيما بينهم فصاروا أحزابا يطعن بعضهم على بعض ، فنزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه.
(وَإِنَّهُ) ، يعني القرآن ، (لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).
(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي) ، [يفصل](١) (بَيْنَهُمْ) ، أي بين المختلفين في الدين يوم القيامة ، (بِحُكْمِهِ) ، الحق ، (وَهُوَ الْعَزِيزُ) ، المنيع فلا يرد له أمر ، (الْعَلِيمُ) ، بأحوالهم فلا يخفى عليه شيء.
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (٧٩) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٨٠) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٨١) وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (٨٢))
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (٧٩) ، البيّن.
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) ، يعني الكفار ، (وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ) ، قرأ ابن كثير لا يسمع بالياء وفتحها وفتح الميم الصم رفع وكذلك في سورة الروم [٥٢] ، وقرأ الباقون بالتاء وضمها وكسر الميم الصم نصب. (إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ، معرضين ، فإن قيل ما معنى قوله : (وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) ، وإذا كانوا صما لا يسمعون سواء ولّوا أو لم يولوا؟ قيل : ذكره على سبيل التأكيد والمبالغة. وقيل : الأصم إذا كان حاضرا قد يسمع برفع الصوت ويفهم بالإشارة ، فإذا ولّى لم يسمع ولم يفهم. قال قتادة : الأصم إذا ولى مدبرا ثم ناديته لم يسمع ، كذلك الكافر لا يسمع ما يدعى إليه من الإيمان ، ومعنى الآية أنهم لفرط إعراضهم عما يدعون إليه كالميت الذي لا سبيل إلى إسماعه ، والأصم الذي لا يسمع.
(وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ) ، قرأ الأعمش وحمزة «تهدي» بالتاء وفتحها على الفعل «العمى» بنصب الياء هاهنا وفي الروم ، وقرأ الآخرون بهادي بالياء على الاسم ، «العمي» ، بكسر الياء ، (عَنْ ضَلالَتِهِمْ) ، أي ما أنت بمرشد من أعماه الله عن الهدى وأعمى قلبه (٢) عن الإيمان ، (إِنْ تُسْمِعُ) ، ما تسمع ، (إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا) ، إلّا من يصدق بالقرآن أنه من الله ، (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) ، مخلصون.
قوله تعالى : (وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ) ، وجب العذاب عليهم ، وقال قتادة إذا غضب الله عليهم ، (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) ، واختلفوا في كلامهم ، فقال السدي : تكلمهم ببطلان الأديان سوى دين الإسلام. وقال بعضهم : كلامها أن تقول لواحد هذا مؤمن ، وتقول لآخر هذا كافر. وقيل : كلامها ما قال الله تعالى : (أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ) ، قال مقاتل تكلمهم بالعربية ، فتقول أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون تخبر الناس أن أهل مكة لم يؤمنوا بالقرآن والبعث ، قرأ أهل الكوفة «أن الناس» بفتح الألف أي بأن الناس ، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف ، أي إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون قبل خروجها. قال ابن عمر : وذلك حين لا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، وقرأ سعيد بن جبير وعاصم الجحدري وأبو رجاء العطاردي : «تكلمهم» بفتح التاء وتخفيف اللام من الكلم وهو الجرح.
وقال أبو الجوزاء : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية «تكلمهم أو تكلم» قال : كل ذلك تفعل ، تكلم المؤمن وتكلم الكافر.
__________________
(١) زيد في المطبوع.
(٢) في المطبوع «قلب».