(رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧))
قوله تعالى : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) ، أدخل من للتبعيض ومجاز الآية أسكنت من ذريتي ولدا ، (بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) ، وهو مكة لأن مكة واد (١) بين جبلين ، (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) ، سماه محرما لأنه يحرم عنده ما لا يحرم عند غيره.
[١٢٢٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن محمد ثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : أول ما اتخذ النساء المنطق (٢) من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفّي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم عليهالسلام وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفل (٣) إبراهيم منطلقا ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيء؟ فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آلله أمرك بهذا؟ قال : نعم ، قالت : إذن لا يضيعنا ، ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجه البيت ، ثم دعا بهؤلاء الدعوات فرفع يديه ، فقال : (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) ، حتى بلغ (يَشْكُرُونَ) ، وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها ، وجعلت تنظر إليه يتلبط أو قال يتلوى ، وانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا ، فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت بطن الوادي رفعت طرف درعها ، ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ، ثم [أتت](٤) المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات ، قال ابن عباس : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فلذلك سعى الناس بينهما». فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت : صه تريد نفسها ، ثم تسمعت فسمعته (٥) أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء ، فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا ، أو جعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم» أو قال : «لو لم تغرف من
__________________
[١٢٢٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، أيوب بن أبي تميمة.
ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٣٣٦٤ عن عبد الله بن محمد بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البيهقي ٥ / ٩٨ ـ ٩٩ من طريق عبد الرزاق به.
وانظر ما تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية : ١٢٥.
(١) زيد في المطبوع و ـ ط «واد».
(٢) تصحف في المطبوع «المناطق».
(٣) كذا في المطبوع ، وفي المخطوط «قام» وفي «صحيح البخاري» «قفّى».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «فسمعت».