الماء في سقائها لكانت زمزم عينا معينا». قال : فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة فإن هاهنا (١) بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله ، وكان (٢) البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك ، حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عائفا فقالوا إنّ هذا الطائر ليدور على ماء ولعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريّا أو جريّين فإذا هم بالماء ، فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا وأم إسماعيل عند الماء فقالوا : أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟ فقالت : نعم ولكن لا حق لكم في الماء ، قالوا : نعم ، قال ابن عباس : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «فألفى ذلك أمّ إسماعيل وهي تحب الأنس» فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم ، وكان آنسهم وأعجبهم حين (٣) شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج إسماعيل بطالع تركته. ذكرنا تلك القصة في سورة البقرة. قوله تعالى : (رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ) ، الأفئدة جمع الفؤاد (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) ، تشتاق وتحن إليهم. قال السدي : معناه أمل قلوبهم إلى هذا الموضع ، قال مجاهد : لو قال أفئدة الناس لزاحمتكم فارس والروم والترك والهند. وقال سعيد بن جبير : لحجت اليهود والنصارى والمجوس ولكنه قال أفئدة من الناس فهم (٤) المسلمون. (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) ، ما رزقت سكان القرب ذوات (٥) الماء ، (لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ).
(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١) وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣))
(رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ) ، من أمورنا. وقال ابن عباس ومقاتل : من الوجد بإسماعيل وأمه حيث أسكنتهما بواد غير ذي زرع. (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) ، قيل : [هذا كله قول إبراهيم متصل بما قبله](٦). وقال الأكثرون (٧) : يقول الله عزوجل : (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ).
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ) ، أعطاني على كبر السن ، (إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ) ، قال ابن عباس : ولد إسماعيل لإبراهيم وهو ابن تسع وتسعين سنة ، وولد إسحاق وهو ابن مائة واثنتي عشرة سنة. وقال سعيد بن جبير : بشّر إبراهيم بإسحاق وهو ابن مائة وسبع عشرة سنة.
(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ) ، يعني : ممن يقيم الصلاة بأركانها ويحافظ عليها ، (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) ، يعني : واجعل من ذريتي من يقيم الصلاة. (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) ، أي عملي وعبادتي ، سمّى العبادة
__________________
(١) في المطبوع «وإن هناك».
(٢) زيد في المطبوع «موضع».
(٣) في المخطوط «حتى».
(٤) في المطبوع «وهم».
(٥) في المخطوط «ذات».
(٦) العبارة في المخطوط و ـ ط «هذه صلة قول إبراهيم».
(٧) في المخطوط «الآخرون».