وقال مجاهد وقتادة : واستفتحوا يعني الرسل وذلك أنهم لما يئسوا من إيمان قومهم استنصروا الله ودعوا على قومهم بالعذاب ، كما قال نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦] وقال موسى : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) [يونس : ٨٨] ، الآية. (وَخابَ) ، وخسر. وقيل : هلك ، (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) والجبار : الذي لا يرى فوقه أحدا. والجبرية : طلب العلو بما لا غاية وراءه. وهذا الوصف لا يكون إلا لله عزوجل.
وقيل : الجبار : الذي يجبر الخلق على مراده ، والعنيد : المعاند للحق ومجانبه. قال مجاهد ، وعن ابن عباس : هو المعرض عن الحق. وقال مقاتل : هو المتكبر.
وقال قتادة : العنيد : الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله.
(مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) أي : أمامه (١) كقوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ) [الكهف : ٧٩] أي أمامهم. قال أبو عبيدة : هو من الأضداد.
وقال الأخفش : هو كما يقال هذا الأمر من ورائك يريد أنه سيأتيك ، وأنا من وراء فلان يعني أصل إليه.
وقال مقاتل : من ورائه جهنم أي بعده ، (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) أي : من ماء هو صديد وهو ما يسيل من أبدان الكفار من القيح والدم. وقال محمد بن كعب : ما يسيل من فروج الزناة يسقاه الكافر.
(يَتَجَرَّعُهُ) أي : يتحساه ويشربه لا بمرة واحدة بل جرعة جرعة لمرارته وحرارته ، (وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) ، ويكاد صلة أي لا يسيغه ، كقوله تعالى : (لَمْ يَكَدْ يَراها) [النور : ٤٠] أي : لم يرها ، قال ابن عباس : لا يجيزه. وقيل : معناه يكاد لا يسيغه ويسيغه فيغلي في جوفه.
[١٢١٤] أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن عبيد (٢) الله بن بسر عن أبي أمامة عن النبي صلىاللهعليهوسلم في قوله : (وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ) ، قال :
__________________
[١٢١٤] ـ لا بأس به بشواهده. إسناده ضعيف لجهالة عبيد الله بن بسر لكن لم ينفرد به.
ـ وهو في «شرح السنة» ٤٣٠١ بهذا الإسناد.
ـ رواه المصنف من طريق ابن المبارك ، وهو في «الزهد» ٣١٤٠ «زيادات» عن صفوان بن عمرو به.
ـ وأخرجه الترمذي ٢٥٨٣ والنسائي في «التفسير» ٢٨٣ من طريق سويد بن نصر به.
ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٢٦٥ والحاكم ١ / ٣٥١ والطبري ٢٠٦٣٢ والبيهقي في «البعث» ٦٠٢ من طرق عن ابن المبارك به وصححه الحاكم على شرط مسلم! ووافقه الذهبي؟! وقال الترمذي هذا حديث غريب ، وهكذا قال البخاري عن عبيد الله بن بسر ، ولا نعرف عبيد الله بن بسر إلّا في هذا الحديث.
ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد ، أخرجه أحمد ٣ / ٧٠ وابن حبان ٧٤٧٣ وإسناده ضعيف ، لأنه من رواية دراج عن أبي الهيثم.
ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه البيهقي في «البعث» ٥٧٩.
ـ وفيه دراج لكن رواه عن غير أبي الهيثم ، فالإسناد لا بأس به.
ـ الخلاصة : هذا الحديث بشواهده يصير حسنا أو قريبا من الحسن والآية تشهد لبعضه ، وهناك آيات تشهد لبعضه الآخر ، والحديث في الترهيب ، ومذهب ابن المبارك وأحمد وغيرهما التساهل في هذا الباب ، والله أعلم.
(١) زيد في المخطوط «جهنم».
(٢) في المطبوع «عبد».