(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌ) ، هذا استفهام بمعنى نفي ما اعتقدوه ، (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، خالقهما ، (يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، أي : ذنوبكم و (مِنْ) صلة ، (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، إلى حين استيفاء آجالكم فلا يعاجلكم بالعذاب ، (قالُوا) ، للرسل ، (إِنْ أَنْتُمْ) ، ما أنتم ، (إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) ، في الصورة والجسم ولستم ملائكة وإنما ، (تُرِيدُونَ) ، بقولكم ، (أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، حجة بينة على صحة دعواكم.
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣))
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) ، بالنبوة والحكمة (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
(وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) وقد عرفنا أن لا ينالنا شيء (١) إلا بقضائه وقدره ، (وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) ، بين لنا الرشد وبصّرنا طريق النجاة. (وَلَنَصْبِرَنَ) ، اللام لام القسم مجازه (٢) : والله لنصبرن ، (عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) ، يعنون إلا أن ترجعوا أو حتى ترجعوا إلى ديننا ، (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ).
(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨))
(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي : [من](٣) بعد هلاكهم ، (ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي) أي : خاف قيامه بين يدي كما قال : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٦٤) [الرحمن : ٤٦] ، فأضاف قيام العبد إلى نفسه.
كما تقول : ندمت على ضربك أي على ضربي إياك ، (وَخافَ وَعِيدِ) أي عقابي.
قوله : (وَاسْتَفْتَحُوا) أي : استنصروا.
قال ابن عباس ومقاتل : يعني الأمم وذلك أنهم قالوا : اللهم إن كان هؤلاء الرسل صادقين فعذبنا ، نظيره قوله تعالى : (وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢].
__________________
(١) في المطبوع و ـ ط «لا ننال شيئا».
(٢) في المطبوع «مجازا».
(٣) زيادة عن المخطوط.