«يقرب إلى فيه فيكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه فإذا شربه قطّع أمعاءه حتى يخرج من دبره» ، يقول الله عزوجل : (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) [طه : ٧٤] ، ويقول : (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ) [الكهف : ٢٩].
(وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) ، يعني : يجدهم (١) الموت وألمه من كل مكان من أعضائه.
قال إبراهيم التيمي : حتى من تحت كل شعرة من جسده.
وقيل : يأتيه الموت من قدامه ومن خلفه ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله ، (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) ، فيستريح ، قال ابن جريج تعلق نفسه عند حنجرته ولا تخرج من فيه فيموت ولا ترجع إلى مكانها من جوفه فتنفعه الحياة ، نظيره (٢) (لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [محمد : ١٥] ، (وَمِنْ وَرائِهِ) ، أمامه ، (عَذابٌ غَلِيظٌ) ، شديد.
وقيل : العذاب الغليظ الخلود في النار. (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ) يعني : مثل أعمال الذين كفروا بربهم ، كقوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) [الزمر : ٦٠] ، أي : ترى وجوه الذين كذبوا على الله مسودة ، (كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) ، وصف اليوم بالعصوف ، والعصوف من صفة الريح لأن الريح تكون فيه (٣) ، كما يقال : يوم حار ويوم بارد لأن الحر والبرد فيه. وقيل : معناه في يوم عاصف الريح فحذف الريح لأنها قد ذكرت من قبل ، وهذا مثل ضربه الله لأعمال الكفار يريد أنهم لا ينتفعون بأعمالهم التي عملوها في الدنيا لأنهم أشركوا فيها غير الله كالرماد الذي ذرته الريح لا ينتفع به ، فذلك قوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ) ، يعني : الكفار (مِمَّا كَسَبُوا) ، في الدنيا ، (عَلى شَيْءٍ) ، في الآخرة ، (ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ).
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١) وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢))
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، قرأ حمزة والكسائي خالق السماوات والأرض وفي سورة النور «خالق كل دابة» مضافا ، وقرأ الآخرون (خَلَقَ) على الماضي (وَالْأَرْضَ) كل بالنصب ، و (بِالْحَقِ) أي : لم يخلقهما باطلا وإنما خلقهم لأمر عظيم ، (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ، سواكم أطوع لله منكم.
(وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠) ، منيع شديد ، يعني أن الأشياء تسهل في القدرة [و](٤) لا يصعب على الله شيء وإن جلّ وعظم.
__________________
(١) في المطبوع «بنفسه».
(٢) في المطبوع «ونظيرها».
(٣) في المخطوط «يكون فيها».
(٤) زيادة عن المخطوط.