الإبصار. ثم أظهر الإبصار بيانا معناه فإذا الأبصار شاخصة أبصار الذين كفروا. والثاني أنّ هي تكون عمادا (١) كقوله : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ) [الحج : ٤٦] ، والثالث أن يكون تمام الكلام عند قوله : (هِيَ) ، على معنى فإذا هي بارزة يعني من قربها كأنها حاضرة ، ثم ابتدأ : (شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، على تقديم الخبر على الابتداء ، مجازه أبصار الذين كفروا شاخصة. قال الكلبي : شخصت أبصار الكفار فلا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله ، يقولون : (يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) ، اليوم ، (بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ) ، بوضعنا العبادة في غير موضعها.
(إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
(إِنَّكُمْ) أيها المشركون (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، يعني الأصنام ، (حَصَبُ جَهَنَّمَ) ، يعني وقودها. وقال مجاهد وقتادة : حطبها ، والحصب في لغة أهل اليمن الحطب. وقال عكرمة : هو الحطب بلغة الحبشة. قال الضحاك : يعني يرمون بهم في النار كما يرمى بالحصباء (٢) وأصل الحصب الرمي (٣) ، قال الله عزوجل : (أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) [القمر : ٣٤] أي ريحا ترميهم بالحجارة ، وقرأ علي بن أبي طالب : (حطب جهنم) ، (أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) ، أي فيها داخلون.
(لَوْ كانَ هؤُلاءِ) ، يعني الأصنام ، (آلِهَةً) على الحقيقة ، (ما وَرَدُوها) ، أي ما دخل عابدوها النار ، (وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) ، يعني العابدين (٤) والمعبودين.
(لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) (١٠٠) ، قال ابن مسعود في هذه الآية إذا بقي في النار من يخلد فيها جعلوا في توابيت من نار ، ثم جعلت تلك التوابيت في توابيت أخر ، ثم تلك التوابيت في توابيت أخر ، عليها مسامير من نار ، فلا يسمعون شيئا ولا يرى أحد منهم أن في النار أحدا يعذب غيره ، ثم استثنى فقال :
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣) يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤) وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥))
(إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧))
(إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى) ، قال بعض أهل العلم : (إنّ) هاهنا بمعنى «إلّا» معناه : إلّا الذين سبقت لهم منّا الحسنى ، يعني السعادة والعدة الجميلة بالجنة ، (أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) ، قيل : الآية عامة في كل من سبقت لهم من الله السعادة. وقال أكثر المفسرين : عني بذلك كل من عبد من دون الله وهو لله طائع ولعبادة من يعبده كاره.
__________________
(١) في المطبوع «عمدا».
(٢) في المطبوع «بالحصب».
(٣) في المطبوع «المرمي».
(٤) في المطبوع «العابد».