(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١))
(وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ) ، المراد باللبوس هاهنا الدروع لأنها تلبس وهو في اللغة اسم لكل ما يلبس ويستعمل في الأسلحة كلها ، وهو بمعنى الملبوس كالجلوس والركوب ، قال قتادة : أول من صنع الدروع وسردها وحلقها داود ، وكانت [الدروع](١) من قبل صفائح والدرع يجمع الخفة والحصانة ، (لِتُحْصِنَكُمْ) ، لتحرزكم وتمنعكم ، (مِنْ بَأْسِكُمْ) ، أي من حرب عدوكم ، قال السدي : من وقع السلاح فيكم ، قرأ أبو جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب : (لِتُحْصِنَكُمْ) بالتاء ، يعني الصنعة ، وقرأ أبو بكر عن عاصم بالنون لقوله : (وَعَلَّمْناهُ) وقرأ الآخرون بالياء وجعلوا الفعل للبوس ، وقيل : ليحصنكم الله ، (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) ، يقول لداود وأهل بيته. وقيل : يقول لأهل مكة فهل أنتم شاكرون نعمي بطاعة الرسول.
(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً) ، أي وسخرنا لسليمان الريح وهي هواء متحرك وهو جسم لطيف يمتنع بلطفه من القبض عليه ، ويظهر للحسّ بحركته ، والريح يذكر ويؤنث ، عاصفة شديدة الهبوب ، فإن قيل : قد قال في موضع آخر (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) [ص : ٣٦] والرخاء اللين؟ قيل : كانت الريح تحت أمره إن أراد أن تشتد اشتدت ، وإن أراد أن تلين لانت ، (تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها) ، يعني الشام ، وذلك أنها كانت تجري لسليمان وأصحابه حيث شاء سليمان ، ثم يعود إلى منزله بالشام ، (وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ) ، علمناه ، (عالِمِينَ) ، بصحة التدبير فيه أي علمناه أن ما يعطى سليمان من تسخير الريح وغيره يدعوه إلى الخضوع لربه عزوجل.
قال وهب بن منبه (٢) : كان سليمان إذا خرج إلى مجلسه عكفت عليه الطير وقام له الجن والإنس حتى يجلس على سريره ، وكان امرأ غزّاء قلّ ما يقعد عن الغزو ولا يسمع في ناحية من الأرض بملك [إلا](٣) أتاه حتى يذله ، فكان فيما يزعمون أنه إذا أراد الغزو وأمر بمعسكره فضرب بخشب ثم نصب له على الخشب ثم حمل عليه الناس والدواب وآلة الحرب ، فإذا حمل معه ما يريد (٤) أمر العاصفة من الريح فدخلت تحت ذلك الخشب فاحتملته حتى إذا استقلت به أمر الرخاء فمرت به شهرا في روحته (٥) وشهرا في غدوته إلى حيث أراد ، وكانت تمر بعسكره الريح الرخاء وبالمزرعة فما تحركها ولا تثير ترابا ولا تؤذي طائرا.
قال وهب : ذكر لي أن منزلا بناحية دجلة مكتوب فيه كتبه بعض صحابة سليمان إما من الجن وإما من الإنس : نحن نزلناه وما بنيناه ومبنيا وجدناه غدونا من إصطخر فقلناه ونحن رائحون منه إن شاء الله فبائتون بالشام.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) هذا الأثر وما بعده من الإسرائيليات.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «يريده».
(٥) في المخطوط «روحة».