يعني أهل التوراة والإنجيل يريد علماء أهل الكتاب فإنهم لا ينكرون أن الرسل كانوا بشرا ، وإن أنكروا نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأمر المشركين بمساءلتهم لأنهم إلى تصديق من لم يؤمن بالنبي صلىاللهعليهوسلم أقرب منهم إلى تصديق من آمن به. وقال ابن زيد : أراد بالذكر القرآن [أراد](١) فاسألوا المؤمنين العالمين من أهل القرآن ، (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
(وَما جَعَلْناهُمْ) ، أي الرسل ، (جَسَداً) ، ولم يقل أجسادا لأنه اسم الجنس ، (لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ) ، هذا ردّ لقولهم (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ) [الفرقان : ٧] ، يقول لم نجعل الرسل ملائكة بل جعلناهم بشرا يأكلون الطعام ، (وَما كانُوا خالِدِينَ) ، في الدنيا.
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) ، الذي وعدناهم بإهلاك أعدائهم ، (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) ، يعني أنجينا المؤمنين الذين صدّقوهم ، (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) ، يعني المشركين المكذبين ، وكل مشرك مسرف على نفسه.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً) ، يا معشر قريش ، (فِيهِ ذِكْرُكُمْ) ، يعني شرفكم ، كما قال : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] ، وهو شرف لمن آمن به ، وقال مجاهد : فيه حديثكم. وقال الحسن : فيه ذكركم أي ذكر ما تحتاجون إليه من أمر دينكم ، (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
(وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ (١٣) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (١٤) فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ (١٥) وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨))
(وَكَمْ قَصَمْنا) ، أهلكنا ، والقصم الكسر ، (مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً) ، أي كافرة ، يعني أهلها ، (وَأَنْشَأْنا بَعْدَها) ، يعني : أحدثنا بعد هلاك أهلها ، (قَوْماً آخَرِينَ).
(فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا) ، يعني رأوا عذابنا بحاسة البصر (إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ) ، يعني يسرعون هاربين.
(لا تَرْكُضُوا) ، يعني قيل لهم لا تركضوا لا تهربوا لا تذهبوا ، (وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ) ، يعني نعمتم به ، (وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) ، قال ابن عباس : عن قتل نبيكم. وقيل (٢) : من دنياكم شيئا ، نزلت الآية في أهل حضوراء (٣) ، وهي قرية باليمن وكان أهلها من العرب ، فبعث الله إليهم نبيا يدعوهم إلى الله فكذبوه وقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر ، حتى قتلهم وسباهم ، فلما استحر (٤) فيهم القتل ندموا وهربوا وانهزموا ، فقالت الملائكة لهم استهزاء لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم وأموالكم لعلكم تسألون ، قال قتادة : لعلكم تسألون شيئا من دنياكم فتعطون من شئتم وتمنعون من شئتم ، فإنكم أهل ثروة ونعمة ، يقولون ذلك استهزاء بهم ، فاتبعتهم [عسكر](٥) بختنصر وأخذتهم السيوف ، ونادى مناد من جو السماء يا ثارات الأنبياء ، فلما رأوا ذلك أقروا بالذنوب حين لم ينفعهم.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «وقال قتادة يسألون».
(٣) في المطبوع «حضرموت» وفي ـ ط «حصور» وفي «الدر المنثور» ٤ / ٥٦٤ «حضور» وهو يوافق المخطوط.
(٤) في المطبوع «استمر».
(٥) زيادة عن المخطوط.