(لاهِيَةً) ، ساهية غافلة ، (قُلُوبُهُمْ) ، معرضة عن ذكر الله ، وقوله : (لاهِيَةً) نعت تقدم الاسم ، ومن حق النعت أن يتبع الاسم في الإعراب ، وإذا تقدم النعت الاسم فله حالتان فصل ووصل ، فحالته في الفصل النصب كقوله تعالى : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) [القمر : ٧] ، (وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) [الإنسان : ١٤] ، و (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) ، وفي الوصل حالة ما قبله من الإعراب كقوله ، (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [النساء : ٧٥]. (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، يعني أشركوا ، قوله : (وَأَسَرُّوا) فعل تقدم (١) الجمع وكان حقه وأسر ، قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير ، أراد : الذين ظلموا أسروا النجوى. وقيل : محل (٢) الذين رفع على الابتداء ، معناه : وأسروا النجوى ، ثم قال : وهم الذين ظلموا. وقيل : رفع على البدل من الضمير في أسروا. قال المبرد : هذا كقولك إن الذين في الدار انطلقوا بنو عبد الله ، على البدل مما في انطلقوا ثم بيّن سرهم الذي تناجوا به فقال : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، أنكروا إرسال البشر وطلبوا إرسال الملائكة ، (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) ، يعني أتحضرون السحر وتقبلونه ، (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ، تعلمون أنه سحر.
(قالَ) ، لهم محمد ، (رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص : «قال ربي» ، على الخبر عن محمد صلىاللهعليهوسلم ، (يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي لا يخفى عليه شيء ، (وَهُوَ السَّمِيعُ) ، لأقوالهم ، (الْعَلِيمُ) ، بأفعالهم.
(بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) ، أباطيلها (٣) وأهاويلها رآها في النوم ، (بَلِ افْتَراهُ) ، [أي](٤) اختلقه ، (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) ، يعني أن المشركين اقتسموا القول فيه وفيما يقوله : فقال بعضهم : أضغاث أحلام. وقال بعضهم : بل هو فرية. وقال بعضهم : بل محمد شاعر وما جاءكم به شعر. (فَلْيَأْتِنا) محمد ، (بِآيَةٍ) ، إن كان صادقا (كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) ، من الرسل بالآيات.
(ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (٦) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧) وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ (٨) ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠))
قال الله تعالى مجيبا لهم : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) ، أي قبل مشركي مكة ، (مِنْ قَرْيَةٍ) ، أي من أهل قرية أتتهم الآيات ، (أَهْلَكْناها) ، أهلكناهم بالتكذيب ، (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) ، إن جاءتهم آية ، معناه : [إن](٥) أولئك لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم أفيؤمن هؤلاء.
(وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ، هذا جواب لقولهم : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) [الأنبياء : ٣] يعني إنا لم نرسل الملائكة إلى الأولين إنما أرسلنا رجالا نوحي إليهم ، (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ،
__________________
(١) في المخطوط «تقدمه».
(٢) في المطبوع «حمل».
(٣) في المطبوع زيادة «وأقاويلها».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.