(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) ، أي تلك الكلمة وهي قولهم يا ويلنا ، دعاؤهم يدعون بها ويرددونها ، (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً) ، بالسيوف كما يحصد الزرع ، (خامِدِينَ) ، ميتين.
(وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ) (١٦) ، أي عبثا وباطلا.
(لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً) ، اختلفوا في اللهو ، قال ابن عباس في رواية عطاء : اللهو هاهنا المرأة ، وهو قول الحسن وقتادة ، وقال في رواية الكلبي : اللهو الولد ، وهو قول السدي ، وهو في المرأة أظهر لأن الوطء يسمى لهوا في اللغة ، والمرأة محل الوطء. (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) ، يعني من عندنا من حور العين لا من عندكم من أهل الأرض. وقيل : معناه لو كان جائزا ذلك في صفته لم يتخذه بحيث يظهر لهم بل يستر ذلك حتى لا يطلعوا عليه ، وتأويل الآية أن النصارى لما قالوا في المسيح وأمه ما قالوا ردّ الله عليهم بهذا وقال : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) لأنكم تعلمون أن ولد الرجل وزوجته يكونان عنده ، لا عند غيره ، (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) ، قال قتادة ومقاتل وابن جريج : «إن» للنفي ، معناه : ما كنا فاعلين. وقيل : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) للشرط أي [إن](١) كنا ممن يفعل ذلك لاتخذناه من لدنا ، ولكنا لم نفعله لأنه لا يليق بالربوبية.
(بَلْ) ، يعني دع ذلك الذي قالوا فإنه كذب وباطل ، (نَقْذِفُ) ، نرمي ونسلط ، (بِالْحَقِ) ، بالإيمان ، (عَلَى الْباطِلِ) ، على الكفر ، وقيل : الحق قول الله ، فإنه لا ولد له ، والباطل قولهم اتخذ الله ولدا ، (فَيَدْمَغُهُ) ، يعني يهلكه ، وأصل الدمغ شج الرأس حتى يبلغ الدماغ ، (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) ، ذاهب ، والمعنى : أنا نبطل كذبهم بما نبين من الحق حتى يضمحل ويذهب ، ثم أوعدهم على كذبهم فقال : (وَلَكُمُ الْوَيْلُ) ، يا معشر الكفار. (مِمَّا تَصِفُونَ) ، الله بما لا يليق به من الصاحبة والولد. وقال مجاهد : مما تكذبون.
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (٢٠) أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ (٢١) لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢) لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ (٢٣))
(وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، عبيدا وملكا ، (وَمَنْ عِنْدَهُ) ، يعني الملائكة ، (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) ، لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها ، (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ، لا يعيون ، يقال : حسر واستحسر إذا تعب وأعيا. وقال السدي : لا ينقطعون عن العبادة.
(يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) (٢٠) ، لا يضعفون [ولا يسأمون](٢) ، قال كعب الأحبار : التسبيح لهم كالنّفس لبني آدم.
(أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً) استفهام بمعنى الجحد أي لم يتخذوا ، (مِنَ الْأَرْضِ) ، يعني الأصنام من الخشب والحجارة وهما من الأرض ، (هُمْ يُنْشِرُونَ) ، يحيون الأموات ، ولا يستحق الإلهية إلّا من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم والإنعام بأبلغ وجوه النعم.
(لَوْ كانَ فِيهِما) ، يعني في السماء والأرض ، (آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ) ، يعني غير الله ، (لَفَسَدَتا) ، لخربتا وهلك من فيهما بوجود التمانع بين (٣) الآلهة لأن كل أمر صدر عن اثنين فأكثر لم يجر على النظام ، ثم نزّه
__________________
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «من».