وقد علمت أني لو كنت فيهم لقاتلتهم على كفرهم. وقيل : أن لا تتبعني أي ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم ، فتكون مفارقتك إياهم تقريعا وزجرا لهم عمّا أتوه ، (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) ، أي خالفت أمري.
(قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ، أي بشعر رأسي وكان قد أخذ ذوائبه ، (إِنِّي خَشِيتُ) ، لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضا ، (أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، أني خشيت إن فارقتهم واتبعتك صاروا أحزابا يتقاتلون ، فتقول : أنت فرقت بين بني إسرائيل ، (وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) ، ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك اخلفني في قومي ، وأصلح أي ارفق بهم ، ثم أقبل موسى على السامري.
(قالَ فَما خَطْبُكَ) أي ما أمرك وشأنك؟ وما الذي حملك على ما صنعت؟ (يا سامِرِيُ).
(قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) ، رأيت ما لم يروا وعرفت ما لم يعرفوا ، قرأ حمزة والكسائي ما لم تبصروا بالتاء على الخطاب ، وقرأ الباقون بالياء على الخبر ، (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) ، أي من تراب أثر فرس جبريل ، (فَنَبَذْتُها) ، أي ألقيتها في فم العجل ، وقال بعضهم : إنما خار لهذا [السبب](١) لأن التراب كان مأخوذا من تحت حافر فرس جبريل ، فإن قيل : كيف عرف (٢) ورأى جبريل من بين سائر الناس؟ قيل : لأن أمه لما ولدته في السنة التي [كان فرعون](٣) يقتل فيها البنين وضعته في كهف حذرا عليه [من فرعون](٤) فبعث الله جبريل ليربيه لما قضى على يديه من الفتنة. (وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ) ، أي زينت ، (لِي نَفْسِي).
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً (٩٧) إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً (٩٨) كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً (٩٩) مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً (١٠٠) خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (١٠١))
(قالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ) ، أي ما دمت حيا ، (أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) ، أي لا تخالط أحدا ولا يخالطك أحد وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه.
قال ابن عباس : لا مساس لك ولولدك ، والمساس من المماسة معناه لا يمس بعضنا بعضا ، فصار السامري يهيم في البرية مع الوحوش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد ، فعاقبه الله بذلك ، وكان إذا لقي أحدا يقول لا مساس ، أي لا تقربني ولا تمسني ، وقيل : كان إذا مس أحدا أو مسه أحد حما جميعا حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك ، وإذا مسّ [أحد من غيرهم أحدا منهم](٥) حما جميعا في الوقت ، (وَإِنَّ لَكَ) ، يا سامري ، (مَوْعِداً) ، لعذابك ، (لَنْ تُخْلَفَهُ).
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «عرفه».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) العبارة في المخطوط «واحدا منهم واحدا من غيرهم».