(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ) ، قال ابن عباس تاب من الشرك ، (وَآمَنَ) ، وحدّ الله وصدقه ، (وَعَمِلَ صالِحاً) ، أدى الفرائض ، (ثُمَّ اهْتَدى) ، قال عطاء عن ابن عباس : علم أن ذلك توفيق من الله تعالى. وقال قتادة وسفيان الثوري : يعني لزم الإسلام حتى مات عليه. وقال الشعبي ومقاتل والكلبي : علم أن لذلك (١) ثوابا. وقال زيد بن أسلم : تعلم العلم ليهتدي به كيف يعمل. وقال الضحاك : استقام [له](٢). وقال سعيد بن جبير : أقام على السنة والجماعة.
(وَما أَعْجَلَكَ) ، أي ما حملك على العجلة ، (عَنْ قَوْمِكَ) ، وذلك أن موسى اختار من قومه سبعين رجلا حتى يذهبوا معه إلى الطور (٣) ليأخذوا التوراة فسار بهم ثم عجل موسى من بينهم شوقا إلى ربه عزوجل وخلّف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل فقال الله تعالى : (وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) (٨٣).
(قالَ) ، مجيبا لربه تعالى : (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) ، يعني هم بالقرب مني يأتون من بعدي ، (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى) ، لتزداد رضا.
(قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) ، أي ابتلينا الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا من بعدك أي من بعد انطلاقك إلى الجبل ، (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) ، أي دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل ، [أضاف الضلال](٤) إلى السامري لأنهم ضلوا بسببه.
(فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) ، حزينا. (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) ، صدقا أنه يعطيكم التوراة ، (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) ، مدة مفارقتي إياكم ، (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) ، أي أردتم أن تفعلوا فعلا يوجب (٥) عليكم الغضب من ربكم ، (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي).
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ (٨٧) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى فَنَسِيَ (٨٨) أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً (٨٩) وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠))
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) ، قرأ نافع وأبو جعفر وعاصم : (بِمَلْكِنا) بفتح الميم وقرأ حمزة والكسائي بضمها ، وقرأ الآخرون بكسرها أي ونحن نملك أمرنا. وقيل : باختيارنا ، ومن قرأ بالضم فمعناه بقدرتنا وسلطاننا ، وذلك أن المرء إذا وقع في البلية والفتنة لم يملك نفسه ، (وَلكِنَّا حُمِّلْنا) ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب (حُمِّلْنا) بفتح الحاء ، وتخفيف الميم ، وقرأ الآخرون بضم الحاء وتشديد الميم أي جعلونا نحملها وكلفنا حملها ، (أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) ، من حلي قوم فرعون ، سمّاها أوزارا لأنهم أخذوها على وجه العارية فلم يردوها (٦) ، وذلك أن بني إسرائيل كانوا قد استعاروا حليا من
__________________
(١) في المطبوع «ذلك».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «الجبل».
(٤) في المطبوع «وأضافه».
(٥) في المطبوع «يجب».
(٦) في المطبوع «يردها».