(فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى) (٦٧) ، أي وجد ، وقيل : أضمر في نفسه خوفا ، واختلفوا في خوفه طبع البشرية وذلك أنه ظن أنها تقصده ، وقال مقاتل : خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره فلا يتبعوه (١).
(قُلْنا) ، لموسى ، (لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى) ، أي الغالب ، يعني لك الغلبة والظفر.
(وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ) ، يعني العصا ، (تَلْقَفْ) ، تلتقم ، وتبتلع ، (ما صَنَعُوا) ، قرأ ابن عامر تلقف برفع الفاء هاهنا ، وقرأ الآخرون بالجزم على جواب الأمر ، (إِنَّما صَنَعُوا) ، أي الذي صنعوا ، (كَيْدُ ساحِرٍ) ، أي حيلة سحر هكذا قرأ حمزة والكسائي بكسر السين بلا ألف وقرأ الآخرون «ساحر» لأن إضافة الكيد إلى الفاعل أولى من إضافته إلى الفعل ، وإن كان ذلك لا يمتنع في العربية ، (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى) ، من الأرض ، قال ابن عباس : لا يسعد حيث كان. وقيل : معناه حيث احتال.
(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى (٧٠) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ) ، لرئيسكم ومعلمكم ، (الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) ، أي على جذوع النخل ، (وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً) ، يعني على إيمانكم به أنا أو رب موسى على ترك الإيمان به ، (وَأَبْقى) ، أي أدوم.
(قالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا (٧٢) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى (٧٣) إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (٧٤) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى (٧٥))
(قالُوا) ، يعني السحرة ، (لَنْ نُؤْثِرَكَ) ، لن نختارك ، (عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ، يعني الدلالات ، قال مقاتل : يعني اليد البيضاء والعصا. وقيل : كان استدلالهم أنهم قالوا لو كان هذا سحرا فأين حبالنا وعصينا. وقيل : من البينات يعني من اليقين (٢) والعلم. حكي عن القاسم بن أبي بزة أنه قال : إنهم لما ألقوا سجدا ما رفعوا رءوسهم [من السجود](٣) حتى رأوا الجنة والنار ، ورأوا ثواب أهلها ورأوا منازلهم في الجنة فعند ذلك قالوا : (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ) ، (وَالَّذِي فَطَرَنا) ، أي لن نؤثرك على الله الذي فطرنا ، وقيل : هو قسم ، (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) ، فاصنع ما أنت صانع ، (إِنَّما تَقْضِي هذِهِ الْحَياةَ الدُّنْيا) ، أي : أمرك وسلطانك في الدنيا وسيزول عن قريب.
(إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) ، فإن قيل كيف قالوا هذا وقد جاءوا مختارين يحلفون بعزة فرعون أن لهم الغلبة. قيل : روي عن الحسن أنه قال : كان فرعون يكره قوما (٤) على تعلم السحر لكيلا يذهب أصله وقد كان أكرههم في الابتداء. وقال مقاتل : كانت السحرة اثنين وسبعين اثنان من القبط وسبعون من بني إسرائيل كان عدو الله فرعون أكره الذين هم من بني إسرائيل على تعلم السحر ، فذلك قولهم (٥) (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ) ، وقال عبد العزيز بن أبان : قالت السحرة لفرعون
__________________
(١) في المطبوع «فلا يتبعونه».
(٢) في المخطوط «التبين».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «قومه».
(٥) في المطبوع «قوله».