الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦))
قوله عزوجل : (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي : صفة الجنة ، كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) [النحل : ٦٠] أي : الصفة العليا ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، أي : صفة الجنة التي وعد المتقون أن الأنهار تجري من تحتها.
وقيل : مثل صلة مجازها الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار. (أُكُلُها دائِمٌ) أي : لا ينقطع ثمرها ونعيمها ، (وَظِلُّها) ، أي : ظلها ظليل لا يزول وهو ردّ على الجهمية حيث قالوا إن نعيم الجنة يفنى. (تِلْكَ عُقْبَى) أي : عاقبة (الَّذِينَ اتَّقَوْا) يعني : الجنة ، (وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ).
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني : القرآن وهم أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم (يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) من القرآن ، (وَمِنَ الْأَحْزابِ) يعني : الكفار الذين تحزبوا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم اليهود والنصارى ، (مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) ، هذا قول مجاهد وقتادة.
وقال الآخرون : كان ذكر الرحمن قليلا في القرآن في الابتداء فلما أسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره في القرآن مع كثر ذكره في التوراة ، فلما كرر الله ذكره في القرآن فرحوا به فأنزل الله سبحانه وتعالى : (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ) ، يعني : مشركي مكة حين كتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا : ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة ، يعنون مسليمة الكذاب ، فأنزل الله عزوجل : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ) [الأنبياء : ٣٦] (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) [الرعد : ٣٠](١) وإنما قال (بَعْضَهُ) لأنهم كانوا لا ينكرون ذكر الله وينكرون ذكر الرحمن. (قُلْ) ، يا محمد ، (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ) ، أي : مرجعي.
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩))
(وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) ، يقول كما أنزلنا إليك الكتاب يا محمد فأنكره الأحزاب كذلك أنزلنا إليك الحكم والدين عربيا ، نسب إلى العرب لأنه نزل بلغتهم فكذب به الأحزاب.
وقيل : نظم الآية كما أنزلت الكتب على الرسل بلغاتهم (٢) كذلك (٣) أنزلنا عليك الكتاب حكما عربيا. (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) ، في الملة. وقيل : في القبلة ، (بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ) ، يعني : من ناصر ولا حافظ.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ) ، روي أن اليهود.
__________________
(١) تقدم الخبر برقم ١٢٠٨.
(٢) في المخطوط «بلغتهم».
(٣) في المطبوع و ـ ط «فكذلك».