وداهية تقرعهم من أنواع البلاء أحيانا بالجدب وأحيانا بالسلب وأحيانا بالقتل والأسر.
وقال ابن عباس : أراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبعثهم إليهم ، (أَوْ تَحُلُ) ، يعني : السرية أو القارعة ، (قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ).
وقيل : أو تحل أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قريبا من ديارهم ، (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) ، قيل : يوم القيامة. وقيل : الفتح والنصر وظهور رسول الله صلىاللهعليهوسلم ودينه. (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) ، وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسلية لنبيه صلىاللهعليهوسلم :
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤))
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، كما استهزءوا (١) بك ، (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ، أمهلتهم وأطلت لهم المدة ، ومنه الملوان : وهما الليل والنهار ، (ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار ، (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) ، أي : عقابي لهم.
(أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) ، أي : حافظها ورازقها وعالم بها ومجازيها بما عملت ، وجوابه محذوف تقديره : كمن ليس بقائم بل عاجز عن نفسه ، (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ) بيّنوا أسماءهم. وقيل : صفوهم ثم انظروا هل هي أهل لأن تعبد؟ (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ) أي : تخبرون الله (بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) ، فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره ، (أَمْ بِظاهِرٍ) [يعني : أم تتعلقون بظاهر](٢) ، (مِنَ الْقَوْلِ) ، مسموع وهو في الحقيقة باطل لا أصل له. وقيل : بزائل (٣) من القول قال الشاعر :
وعيرني الواشون أني أحبها |
|
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها |
أي : زائل ، (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) ، كيدهم. وقال مجاهد : شركهم وكذبهم على الله ، (وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) ، أي : صرفوا عن الدين.
قرأ أهل الكوفة ويعقوب (وَصُدُّوا) وفي حم المؤمن (وَصُدُّوا) بضم الصاد فيهما وقرأ الآخرون بالفتح لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الحج : ٢٥] ، وقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [النحل : ٨٨]. (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) ، بخذلانه إيّاه ، (فَما لَهُ مِنْ هادٍ).
(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، بالقتل والأسر ، (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أشد ، (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [أي](٤) مانع يمنعهم من العذاب.
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى
__________________
(١) في المخطوط «استهزئ».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المخطوط «بباطل».
(٤) زيادة عن المخطوط.