(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) ، أي نفّاعا حيث ما توجهت. وقال مجاهد : معلما للخير. وقال عطاء : أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته. وقيل : مباركا على من تبعني : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، أي أمرني بهما ، فإن قيل : لم يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة؟ قيل : معناه بالزكاة لو كان لي مال. وقيل : أوصاني بالزكاة أي أمرني أن أوصيكم بالزكاة. وقيل : بالاستكثار من الخير. (ما دُمْتُ حَيًّا).
(وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي : وجعلني برا بوالدتي ، (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) ، أي عاصيا لربه. وقيل : الشقي الذي يذنب ولا يتوب.
(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) ، أي السلامة (١) عند الولادة من طعن الشيطان. (وَيَوْمَ أَمُوتُ) ، أي عند الموت من الشرك ، (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ، من الأهوال ، فلما كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم ثم سكت [عيسى عليهالسلام](٢) فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧))
(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ، قال الزجاج : أي ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم ، (قَوْلَ الْحَقِ) ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب : (قَوْلَ الْحَقِ) بنصب اللام وهو نصب على المصدر أي : قال : قول الحق ، (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي : يختلفون ، فقائل يقول هو ابن الله ، وقائل يقول هو الله ، وقائل يقول هو ساحر كذاب ، وقرأ الآخرون برفع اللام يعني هو قول الحق ، أي هذا الكلام هو قول الحق ، أضاف القول إلى الحق ، كما قال : حق اليقين ، ووعد الصدق ، وقيل : هو نعت لعيسى ابن مريم ، يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة الحق [والحق](٣) هو الله الذي فيه يمترون يشكون ويختلفون ويقولون غير الحق ، ثم نفى عن نفسه الولد ، ثم عظّم نفسه فقال :
(ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) ، أي ما كان من صفته اتخاذ الولد. وقيل : اللام منقولة أي ما كان لله أن يتخذ من ولد ، (سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً) ، إذا أراد أن يحدث أمرا ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (إِنَّ اللهَ) بفتح الألف يرجع إلى قوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) وبأن الله ربي وربكم ، وقرأ أهل الشام والكوفة ويعقوب بكسر الألف على الاستئناف. (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).
قوله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) ، يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى ، النسطورية والملكانية واليعقوبية. (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، يعني يوم القيامة.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ
__________________
(١) في المطبوع «السلام».
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيادة عن المخطوط.