بنون واحدة مشددة على الإدغام ، أي ما قواني عليه ، (رَبِّي خَيْرٌ) ، من جعلكم ، (فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) ، معناه إني لا أريد المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم ، (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً) ، أي سدا ، قالوا : وما تلك القوة؟ قال : فعلة وصناع يحسنون البناء والعمل ، والآلة. قالوا : وما تلك الآلة؟ قال :
(آتُونِي) ، أعطوني وقرأ أبو بكر ائتوني أي جيئوني ، (زُبَرَ الْحَدِيدِ) ، أي : قطع الحديد ، واحدتها زبرة ، فأتوه بها وبالحطب وجعل بعضها على بعض فلم يزل يجعل الحديد على الحطب والحطب على الحديد ، (حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بضم الصاد والدال ، وجزم أبو بكر الدال ، وقرأ الآخرون بفتحهما (١) ، وهما الجبلان ، (ساوى) أي : سوى بين طرفي الجبلين. (قالَ انْفُخُوا).
وفي القصة أنه جعل الفحم والحطب في خلال زبر الحديد ثم قال : انفخوا يعني في النار ، (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) ، أي صار الحديد نارا ، (قالَ آتُونِي) ، قرأ حمزة وأبو بكر وصلا ، وقرأ الآخرون بقطع الألف. (أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) ، أي آتوني قطرا أفرغ عليه ، والإفراغ الصبّ والقطر هو النحاس المذاب ، فجعلت النار تأكل الحطب ويصير النحاس مكان الحطب حتى لزم الحديد النحاس.
قال قتادة : هو كالبرد المحبر (٢) طريقة سوداء وطريقة حمراء ، وفي القصة أن عرضه كان خمسين ذراعا وارتفاعه مائتي ذراع وطوله فرسخ.
(فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) ، أن يعلوه من فوقه لطوله وملاسته ، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) ، من أسفله لشدته وصلابته. وقرأ حمزة فما استطاعوا بتشديد الطاء أدغم تاء الافتعال في الطاء.
(قالَ) ، يعني ذا القرنين ، (هذا) ، السد ، (رَحْمَةٌ) ، نعمة ، (مِنْ رَبِّي فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) ، قيل : [يوم](٣) القيامة. وقيل : وقت خروجهم. (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) ، قرأ أهل الكوفة (دَكَّاءَ) بالمد والهمز ، أرضا ملساء ، وقرأ الآخرون [دكاء](٤) بلا مدّ أي : جعله مدكوكا مستويا مع وجه الأرض ، (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا).
[١٣٧٦] وروى قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة يرفعه «أن يأجوج ومأجوج يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه (٥) غدا فيعيده الله كما كان ، حتى إذا بلغت مدتهم حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس ، قال الذي عليهم : ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء الله ،
__________________
[١٣٧٦] ـ أخرجه ابن ماجه ٤١٩٩ والحاكم ٤ / ٤٤٨ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٦٨ من طريق قتادة عن أبي رافع به.
ـ وصححه الحاكم على شرطهما ، وسكت الذهبي.
ـ وقال البوصيري : إسناده صحيح ، رجاله ثقات.
ـ وقال ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ١١٠ : إسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا نقبه ، لإحكام بنائه وصلابته ، ثم ذكر ابن كثير أحاديث صحيحة مثل «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا» وهذا متفق عليه ، وفيه أن ما فتح من الردم شيء يسير ، فهو يخالف ما ذكره المصنف من الحديث ، وأنه يظهر لهم شعاع الشمس ، والله أعلم ، وانظر بقية كلام ابن كثير. عند هذه الآية بتخريجي ، وانظر «تفسير الشوكاني» ١٥٣٠.
(١) في المطبوع «بفتحها».
(٢) في المطبوع «كالبر والبحر» والمثبت عن المخطوطتين ، وعبارة البغوي «كالبرد الحبير» ٣ / ١٦٨.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «فتستفتحونه» وعبارة الطبري «فتحفرونه».