نفسه ، فنزل فيهما : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) اذكر لهم خبر رجلين ، (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ) ، بستانين ، (مِنْ أَعْنابٍ وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ) ، أي : أطفناهما من جوانبهما بنخل ، والحفاف الجانب ، وجمعه أحفة ، يقال : حف به القوم أي طافوا بجوانبه ، (وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً) ، أي : جعلنا حول الأعناب النخيل ووسط الأعناب الزرع. وقيل : بينهما أي بين الجنتين زرعا يعني لم يكن بين الجنتين موضع خراب.
(كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) ، أي : أعطت كل واحدة من الجنتين ، (أُكُلَها) ، ثمرها تاما ، (وَلَمْ تَظْلِمْ) ، لم تنقص ، (مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا) ، قرأ العامة بالتشديد ، وقرأ يعقوب بتخفيف الجيم ، (خِلالَهُما نَهَراً) يعني شققنا وأخرجنا وسطهما نهرا.
(وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (٣٤) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً (٣٥) وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً (٣٦) قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (٣٧) لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٨) وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً (٣٩))
(وَكانَ لَهُ) ، لصاحب البستان ، (ثَمَرٌ) قرأ عاصم وأبو جعفر ويعقوب (ثَمَرٌ) بفتح الثاء والميم ، وكذلك «بثمرة» ، وقرأ أبو عمرو بضم الثاء ساكنة الميم ، وقرأ الآخرون بضمهما ، فمن قرأ بالفتح فهو جمع ثمرة وهو ما تخرجه الشجرة (١) من الثمار المأكولة ، ومن قرأ بالضم فهي الأموال الكثيرة المثمرة من كل صنف ، جمع ثمار. وقال مجاهد : ذهب وفضة. وقيل : جميع الثمرات (٢). قال الأزهري : الثمرة تجمع على ثمر ، ويجمع الثمر على ثمار ، ثم تجمع الثمار على ثمر. (فَقالَ) ، يعني صاحب البستان ، (لِصاحِبِهِ) ، المؤمن ، (وَهُوَ يُحاوِرُهُ) ، يخاطبه ويجاوبه ، (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً) أي : عشيرة ورهطا. وقال قتادة : خدما وحشما. وقال مقاتل : ولدا ، تصديقه قوله تعالى : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [الكهف : ٣٩].
(وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) ، يعني الكافر ، أخذ بيد أخيه المسلم يطوف به فيها ويريه أثمارها (٣) (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ، بكفره ، (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ) ، تهلك ، (هذِهِ أَبَداً) ، قال أهل المعاني : راقه حسنها وغرته زهرتها فتوهم أنها لا تفنى أبدا وأنكر البعث.
فقال : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً) ، كائنة ، (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً) ، وقرأ أهل الحجاز والشام [منهما](٤) هكذا على التثنية ، يعني من الجنتين ، وكذلك هو في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون (مِنْها) أي : من الجنة التي دخلها ، (مُنْقَلَباً) أي : مرجعا ، فإن قيل : كيف قال : (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) ، وهو ينكر البعث؟
قيل : معناه ولئن رددت إلى ربي على ما تزعم أنت يعطيني (٥) هنالك خيرا منها فإنه لم يعطني هذه الجنة في الدنيا إلا ليعطيني في الآخرة أفضل منها.
__________________
(١) في المخطوط «يخرجه الشجر».
(٢) في المخطوط «جمع الثمر».
(٣) زيد في المطبوع و ـ ط ، وهو جمع الجمع كما في «القاموس» ووقع في المخطوط «آثارها» وفي «الوسيط» ٣ / ١٤٨ والقرطبي ١٠ / ٤٠٤ «إياها».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «تعطيني».