(قالَ لَهُ صاحِبُهُ) ، المسلم ، (وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ) ، أي خلق أصلك من تراب ، (ثُمَ) ، خلقك ، (مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) أي : عدلك بشرا سويا ذكرا.
(لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) ، قرأ ابن عامر ويعقوب لكنا بالألف في الوصل ، وقرأ الباقون بلا ألف واتفقوا على إثبات الألف في الوقف ، وأصله لكن أنا ، فحذفت الهمزة طلبا للتخفيف لكثرة استعمالها ثم أدغمت إحدى النونين في الأخرى.
قال الكسائي : فيه تقديم وتأخير مجازه لكن الله هو ربي ، (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً).
(وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ) ، أي : هلا إذ دخلت جنتك ، (قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) أي : الأمر ما شاء الله. وقيل : جوابه مضمر أي ما شاء الله كان ، وقوله : (لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ) ، أي لا أقدر على حفظ مالي أو دفع شيء عنه إلا بالله.
وروي عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان إذا رأى من ماله شيئا يعجبه أو دخل حائطا من حيطانه. قال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله. ثم قال : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) [أنا] عماد (١) ، ولذلك نصب [أقلّ] معناه : إن ترني أقل منك مالا وولدا فتكبرت وتعاظمت (٢) عليّ.
(فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (٤٠) أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (٤١) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (٤٢) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً (٤٣) هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٤))
(فَعَسى رَبِّي) ، فلعلّ ربي ، (أَنْ يُؤْتِيَنِ) ، يعطيني في الآخرة ، (خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْها) ، أي على جنتك ، (حُسْباناً) ، قال قتادة : عذابا. وقال ابن عباس رضي الله عنه : نارا. وقال القتيبي : مرامى.
(مِنَ السَّماءِ) ، وهي مثل صاعقة أو شيء يهلكها ، واحدتها حسبانة ، (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) ، أرضا جرداء ملساء لا نبات فيها. وقيل : تزلق فيها الأقدام. وقال مجاهد : رملا هائلا.
(أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً) ، أي : غائرا منقطعا ذاهبا لا تناله الأيدي ، ولا الدّلاء ، والغور مصدر وضع موضع الاسم ، مثل زور وعدل ، (فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) ، يعني : إن طلبته لم تجده.
(وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) ، أي : أحاط العذاب بثمر جنته ، وذلك أن الله تعالى أرسل عليها نارا فأهلكتها وغار ماؤها ، (فَأَصْبَحَ) ، صاحبها الكافر ، (يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ) ، أي يصفق بيديه [الواحدة](٣) على الأخرى ويقلب كفيه ظهرا لبطن تأسفا وتلهفا ، (عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ) ، أي ساقطة ، (عَلى عُرُوشِها) ، سقوفها ، (وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً).
قال الله تعالى : (وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ) ، جماعة ، (يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ) ، يمنعونه من عذاب الله ،(وَما
__________________
(١) تصحف في «ب» «حماد» وعبارة «الوسيط» ٣ / ١٤٩ «أنا : عماد ، وأقلّ : مفعول ثان لترى».
(٢) في المطبوع و ـ ط «تعظمت».
(٣) زيادة عن المخطوط.