جواب قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)؟ قيل : جوابه قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي) ، وأما قوله : (إِنَّا لا نُضِيعُ) فكلام معترض. وقيل : فيه إضمار معناه : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإنا لا نضيع أجرهم بل نجازيهم ، ثم ذكر الجزاء.
فقال : (أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) ، أي : إقامة ، يقال : عدن فلان بالمكان إذا أقام به ، سميت عدنا لخلود المؤمنين فيها ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ) ، قال سعيد بن جبير : يحلى كل واحد منهم ثلاثة أساور ، واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ ويواقيت ، (وَيَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ) ، وهو مارق من الديباج ، (وَإِسْتَبْرَقٍ) ، وهو ما غلظ منه ، ومعنى الغلظ في ثياب الجنة إحكامه. وعن أبي عمران الجوني قال : السندس هو الديباج المنسوج بالذهب ، (مُتَّكِئِينَ فِيها) ، في الجنان ، (عَلَى الْأَرائِكِ) ، وهي السرر في الحجال واحدتها أريكة ، (نِعْمَ الثَّوابُ). أي نعم الجزاء ، (وَحَسُنَتْ) ، الجنان (مُرْتَفَقاً) أي : مجلسا ومقرا.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) الآية ، قيل : نزلت في أخوين من أهل مكة من بني مخزوم أحدهما مؤمن وهو أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن عبد ياليل ، وكان زوج أم سلمة قبل النبي صلىاللهعليهوسلم والآخر كافر وهو الأسود بن عبد الأسد بن عبد ياليل (١). وقيل : هذا مثل لعيينة بن حصن وأصحابه [مع سلمان ، وأصحابه](٢) شبههما برجلين من بني إسرائيل أخوين أحدهما مؤمن واسمه يهوذا في قول ابن عباس ، وقال مقاتل : تمليخا والآخر كافر واسمه قطروس ، وقال وهب : قطفير ، وهما اللذان وصفهما الله تعالى في سورة الصافات [٥٠ ـ ٥١].
وكانت قصتهما على ما حكى عبد الله بن المبارك عن معمر عن عطاء الخراساني قال : كان رجلان شريكين (٣) لهما ثمانية آلاف دينار ، وقيل : كانا أخوين ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فاقتسماها ، فعمد أحدهما فاشترى أرضا بألف دينار ، فقال صاحبه : اللهم إن فلانا قد اشترى أرضا بألف دينار ، فإني أشتري منك أرضا (٤) في الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ، ثم إن صاحبه بنى دارا بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إن فلانا بنى دارا بألف دينار ، فإني أشتري منك دارا في الجنة بألف دينار ، فتصدق بذلك ثم تزوج صاحبه امرأة فأنفق عليها ألف دينار فقال هذا المؤمن : اللهم إني أخطب إليك امرأة من نساء الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ، ثم اشترى صاحبه خدما ومتاعا بألف دينار ، فقال هذا : اللهم إني أشتري منك متاعا وخدما في الجنة بألف دينار ، فتصدق بألف دينار ، ثم أصابته حاجة شديدة ، فقال : لو أتيت صاحبي لعله ينالني منه معروف ، فجلس على طريقه حتى مرّ به في حشمه ، فقام إليه فنظر إليه الآخر فعرفه ، فقال : فلان؟ قال : نعم ، فقال : ما شأنك؟ فقال : أصابتني حاجة بعدك فأتيتك لتصيبني بخير ، فقال : ما فعل مالك وقد اقتسمنا مالا وأخذت شطره؟ فقصّ عليه قصته ، فقال : وإنك لمن المصدقين بهذا؟ اذهب فلا أعطيك شيئا ، فطرده فقضي لهما أن توفيا ، فنزل فيهما : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) (٥١) ، وروي أنه لما أتاه أخذ بيده وجعل يطوف به ويريه أموال
__________________
(١) لم أقف عليه ، ولا يصح ، وسياق الآيات يدل على أن ذلك كان في بني إسرائيل.
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المخطوط «شريكان».
(٤) في المخطوط «دارا».