دعوا الاختلاف ربكم أعلم بما لبثتم ، (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ) ، يعني تمليخا ، قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر (بِوَرِقِكُمْ) ساكنة الراء والباقون بكسرها ومعناهما واحد وهي الفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة. (إِلَى الْمَدِينَةِ) ، قيل : هي طرسوس وكان اسمها في الجاهلية أقسوس فسموها في الإسلام طرسوس ، (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أي : أحل طعاما حتى لا يكون من غصب (١) أو سبب حرام ، وقيل : أمروه أن يطلب ذبيحة مؤمن ولا يكون من ذبيحة من يذبح لغير الله وكان فيهم مؤمنون يخفون إيمانهم وقال الضحاك : أطيب طعاما. وقال مقاتل بن حيان : أجود طعاما. وقال عكرمة : أكثر ، وأصل الزكاة الزيادة. وقيل : أرخص طعاما. (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) ، أي : قوت وطعام تأكلونه ، (وَلْيَتَلَطَّفْ) ، وليترفق في الطريق وفي المدينة وليكن في ستر وكتمان ، (وَلا يُشْعِرَنَ) ، ولا يعلمن ، (بِكُمْ أَحَداً) ، من الناس.
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) ، أي : يعلموا بمكانكم ، (يَرْجُمُوكُمْ) قال ابن جريج : يشتموكم ويؤذوكم بالقول. وقيل : يقتلوكم ، وقيل : كان من عادتهم القتل بالحجارة وهو أخبث القتل. وقيل يضربوكم ، (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) أي : إلى الكفر ، (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) ، إن عدتم إليه.
(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (٢١) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (٢٢))
قوله عزوجل : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا) أي : أطلعنا ، (عَلَيْهِمْ) ، يقال : عثرت على الشيء إذا اطلعت عليه وأعثرت غيري أي أطلعته ، (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، يعني أصحاب بيدروس الذين أنكروا البعث ، (وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ، قال ابن عباس : يتنازعون في البنيان ، فقال : المسلمون : نبني عليهم مسجدا يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا ، وقال المشركون : نبني عليهم بنيانا لأنهم من أهل نسبنا (٢). وقال عكرمة : تنازعوا في البعث ، فقال المسلمون : البعث للأجساد والأرواح [معا](٣) ، وقال قوم للأرواح دون الأجساد ، فبعثهم الله تعالى وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح. وقيل : تنازعوا في مدة لبثهم. وقيل : في عددهم. (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) ، بيدروس الملك وأصحابه ، (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً).
(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، روي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي صلىاللهعليهوسلم فجرى ذكر أصحاب الكهف ، فقال السيد وكان يعقوبيا : كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم ، وقال العاقب وكان نسطوريا : كانوا خمسة سادسهم كلبهم.
وقال المسلمون : كانوا سبعة [و] ثامنهم كلبهم ، فحقق الله قول المسلمين بعد ما حكى قول النصارى ، فقال : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ) ، أي : ظنا وحدسا من غير يقين ، ولم يقل هذا في حق السبعة ، فقال : (وَيَقُولُونَ) يعني : المسلمين ، (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ، [و] اختلفوا في الواو في قوله (وَثامِنُهُمْ) قيل : تركها وذكرها سواء.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «ديننا».
(٣) زيادة عن المخطوط.