أو يشبعه. وإذا كان يلمس القلب فإنّما يلمسه بحكمة ، واعتدال ، ولكنه من ناحية أخرى لا يكشف لنا عن نفسه على أنّه ثمرة علم بلغ هدفه منذ البداية ، ولا على أنّه ثمرة خيال جامح ، كما افترضه بعضهم ، لدى الإنسان الّذي أبلغنا إياه ، وإنّما هو ثمرة تعليم منزه متدفق ، يبدو مع ذلك أنّه متصل بخطة توقيفية ، لا تجارب فيها ، ولا تنقيحات.
ثالثا : وأبرز ملامح السّعادة الحسية ، أعني : أكثرها ذكرا ، موجود ـ كما رأينا ـ في تلك الإشارة إلى (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (١). وكلّ منا استطاع أن يجرب تلك اللّذة الّتي يثيرها منظر الماء الجاري حين ينظر إليه من عل ، وزد على ذلك أنّ في هذا دون شك أنزه ما يلذ النّظر ، وأطهره ، والقرآن يومىء إلينا منه بمعنى أكثر عمقا ، وبسعادة أحلى مذاقا ، ليس هو مطلقا ذلكم الموقف الّذي يثير الأحلام ، ويلهم الشّعر ، ولكنه واقع أخلاقي في جوهره ، هو : نسيان كلّ حزن ، وذهاب كلّ حقد من القلوب : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ) (٢).
رابعا : أمّا فيما يتعلق بطعام الجنّة اللذيذ ، فإنّ التّفسير يحدد بمقتضى تعبير الآية : (فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ) (٣) أنّ ضيوف السّماء سوف يتعاطونه لمجرد السّرور والإبتهاج ، وليس حاجة إلى حفظ حياتهم ، أو صحتهم ، ذلك أنّهم لما كانوا قد من الله عليهم بأبدان لا تقبل الفساد ـ لم تعد بهم حاجة إلى أي وقاية (٤).
__________________
(١) البقرة : ٢٥.
(٢) الأعراف : ٤٣.
(٣) الصّافات : ٤٢.
(٤) انظر ، تفسير الجلالين : ٥٩٠ ، سورة الصّافات : ٤٢.