الله : وجوده ، وقدراته ، وطاقاته ، وإمكاناته ، ونعمه المادية ، والرّوحية؟ .. ولكن ألم يكن من الواجب حينئذ ، بدلا من أن نطمح إلى ثواب ، أن نبتغي بسلوكنا الطّيب أن يكون وفاء لدين ، وشاهد عرفان بتلك النّعم الّتي لا تحصى ، والّتي أنعم الخالق بها علينا ، حتّى من قبل أن نسأله إياها؟ ...
وهكذا نجد أنّ كلّ ردّ فعل مستقبل ، لا ينتج طبيعيا ، وتلقائيا ؛ من طريقتنا في العمل ـ لا يمكن أن نقيم عليه برهانا ، أو أن نفرضه مقدما على أنّه بدهي في ذاته ، أو على أنّه ضروري لإثبات الحقيقة الأخلاقية ، وأقصى ما يمكن أن يبلغه هذا التّعليل المسبق إذا ما طبق على فكرة العقاب أن تكون له بعض الصّحة ، وربما استعمله القرآن بهذه المناسبة أحيانا.
وإنّه لحقّ ـ في الواقع ـ أنّ المذنبين الّذين يشعرون الآن بأنّهم سعداء لن يظلوا دون عقوبة أبدا ، فإمّا أن يكون الخلق عبثا ، وإمّا أن تكون هنالك بكلّ تأكيد (رجعة) للعدالة : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (١) ، (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) (٢).
بيد أنّه لما كانت فكرة السّعادة المستقبلة غير ذات ارتباط داخلي بفكرة الفضيلة ، ولما لم يكن هناك مبدأ عقلي يحتم توافقهما ، فإنّهما منفصلان في عقولنا ، ولسوف يظلان كذلك طالما لم يتدخل مشرع حرّ ، إنساني ، أو علوي ، بمبادرته الذاتية ، كيما يوفق بينهما ، ويقر ما بينهما التّركيب المراد.
__________________
(١) المؤمنون : ١١٥.
(٢) القيامة : ٣٦.