ذلك أننا ـ إذا نحينا التّعاليم الدّينية جانبا ـ نتصور أي قانون أخلاقي قانونا كامل العدالة ، يستهدف في كلّ ما يمنحه أشياعه من مكافآت ـ أن يكسبهم ما يستحقون من الإحترام ، والكرامة ، وهو في كلمة واحدة : يمنحهم أجرهم ، دون أن يتيح لهم وجودا بعد الموت ، بل دون أن يضمن لهم حياة دائمة السّعادة. فهذه الأفكار كلّها غريبة تماما عن فكرة القانون الأخلاقي ، العقلية المحضة ، وهي أيضا غريبة أكثر من ذلك عن أخلاق شكلية بدأت بتقسيم الإنسان إلى قسمين ، متعاديين على سبيل الإطلاق. فإذا كنّا قد أبعدنا الجانب الحسي من المجال الأخلاقي بلا أدنى شفقة ، فباسم أي مبدأ نسمح لأنفسنا في النّهاية أن نشفق على مصيره؟ .. ولما ذا ندخله من الشّباك بعد أن طردناه من الباب ، ثمّ نمنحه حقّ الإقامة المشروعة؟ ...
فإذا ما أصرّ بعض النّاس مدعيا أنّ فوق هذه العدالة الّتي تتم داخل القانون الأخلاقي عدالة أخرى أعلى درجة ، تجعل نظامي الإرادة والحس متناظرين ، فإننا نستطيع أن نقبل ذلك إذا لزم الأمر ، دون أن يعني ذلك قبول تلك المسلمات القائلة بإرتباط العمل الأخلاقي بحياة ثانية ، وسعادة مستقبلة. فالعملية من أبسط الأمور ، وما علينا إلّا أن نقلب صيغة هذا التّتابع لنجد أنفسنا مكتفين بما نؤدي من واجب.
أفننتظر أن يكافئنا المجتمع على أمانتنا في الأداء العادي لواجباتنا نحوه؟ .. أولسنا مدينين له بأكثر مما هو مدين به لنا؟ إذن ، فما ذا نقول عن خالق الكون الّذي يدين له الأفراد ، والمجتمعات بكلّ شيء؟ .. من منا لم ينل مقدما من يد