يفرضها النّظام الطّبيعي للأشياء ، وهو النّظام الّذي دعينا إلى أن نعيش في كنفه ، فهو يفرض عقوباته على من يترك طريقه ، ليسلك طريقا ليست له» (١).
كلا ... لسنا ملزمين بالمضي مع هذين الرّأيين ، فإذا كان قانون الطّبيعة المادية ، أو الإجتماعية ، قد استطاع أن يضع جزاء لبعض الواجبات في صورة سعادة ملائمة ، وأن يجازي الوحدة بالقوة ، والإخلاص بالتقدير ، كما يجازي بعض الإنحرافات ، كالسّكر ، والفسق ، بما هي قمينة به من بؤس ، فليست كلّ الفضائل ، والرّذائل بواجدة حسابها مسوىّ في النّظام الطّبيعي للأشياء ... وهيهات.
ولقد كان (كانت) على حقّ حين أعلن أنّه ليس بين الفضيلة ، والسّعادة ارتباط تحليلي ، شريطة ألا يقصد بالسعادة تلك المسرة الخاصة المتصلة بالممارسة الأخلاقية ، والّتي قال عنها أرسطو : «إنّها تنضاف إلى الفعل كما تنضاف إلى الشّباب نضرته» ، وإنّما يقصد بها المتع اللاحقة ، المنفصلة عن الفعل ، والمختلفة عنه من حيث طبيعتها.
وإنّا لنمضي إلى ما هو أبعد من «كانت» ، فإنّ هذا الفيلسوف العظيم ، حين لم ير أنّ هذا الإرتباط يوجد لا حقا في التّجربة الرّاهنة ، جعل منه مبدأ مسلما للقانون الأخلاقي ، واجب الوجود في عالم مقبل ، تتوافق فيه قوانين الطّبيعة مع قوانين الإحسان الإلهي. وموجز رأيه : أنّ هذا الرّباط رباط تركيبي مسبق. أمّا نحن ، فنرى أنّها علاقة تركيبية فعلا ، ولكنها ليست مسبقة.
__________________
(١) انظر ، ١ ـ Th. Jouffrou, Cours de Droit naturel, ١٣ eme lecon