من حيث كان ينقصه مطلقا هذا العنصر التّكويني للشخصية. أعني : الإرادة ، فالذي يكبو في سيره ـ مثلا ـ لا يمكن أن يعتبر مسئولا ، لا عن سقوطه ، ولا عن نتائجه المكدرة ، أو المستطابة ، بالنسبة إليه أو إلى الآخرين.
والعمل اللاإرادي من النّاحية الإنسانية هو (حادث) ، وإن كانوا يطلقون عليه إصطلاحا : (عمل) لأنّه ـ حين نستخدم التّعبير القرآني ـ لن يكون بعض ما تكتسبه أنفسنا (١).
فهل نقول إذن ـ على النّقيض ـ إنّه يكفي أن يكون العمل مرادا لنا ليحمل علينا؟ ... نعم ... و.. لا ...
نعم ... إذا كان يراد بالحمل «سببية» على نحو ما ، ولا ... إذا كان الحمل مرادف «المسئولية الأخلاقية» ، لأنّ هذه المسئولية ليست مجرد نسبة العمل إلى الإنسان بصفة عامة ، بل لا بد من وجود صفة مميزة ، وهي أنّ هذا العمل يؤدي إلى إستحقاق من الثّواب أو العقاب.
وعليه ، فمن الضّروري لكي نخلع على أي عمل هذه الصّفة ، أن يكون هذا العمل الإرادي متصورا من ناحية صاحبه بنفس الطّريقة الّتي تصوره بها المشرع. وكما أنّه في المنطق لا يوجد تماثل ، أو تعارض إلّا إذا أخذ الطّرفان المتماثلان ، أو القضيتان المتعارضتان في ظروف واحدة ، فكذلك الحال في علم الأخلاق ، لا يوجد طاعة ، أو عقوق إلّا إذا كان هناك توافق كامل بين العمل بإعتباره مأمورا به أو محرما ، وبين ذاته بإعتباره قد حدث فعلا.
ولنأخذ على ذلك مثلا ، أنّك تخرج لممارسة القنص في إحدى الغابات ، أو
__________________
(١) من قوله تعالى في البقرة : ٢٨٦ (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ.)