__________________
ـ أرسل على فترة منهم رسولا عظيما ، ونبيا رحيما ، يحرص على هداهم رحمة بهم ، ويدعوهم إلى ما فيه سعادتهم ، وحياتهم شفقة عليهم : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) التّوبة : ١٢٨ ، وما كانت هذه الشّفقة ولا تلك الرّحمة إلّا من فيض العطايا الرّبانية ، والمنح الإلهية الّتي جاد بها على رسول الله صلىاللهعليهوآله لخير الإنسانية وسعادة البشرية (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) الإسراء : ٢٠ ، ولذلك فإنّها تضاعف وتزداد في الآخرة إكراما لنبيه ، وتقديرا لسمو منزلته ، ورحمة منه لعباده عزوجل (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) الأحزاب : ٤٣ ، وإذا كان يوم القضاء ، واشتد الكرب ، وهال الأمر ، وعظم الموقف ، وتمنى الخلائق أن لو انصرفوا من شدة هذا الهول ، وجلال القيامة ، وزلزلة السّاعة ، وفزع النّاس إلى الأنبياء ، والرّسل وأحالوهم بدورهم على نبي الرّحمة ، وشفيع الأمّة ، ومغيث الخلائق ، تجلت الرّأفة ، وتدفقت الشّفقة ، وتحركت العواطف للأخذ بيد المتوسلين ، وإنقاذ المستشفعين ، والإستجابة للمستغيثين ، ولا عجب فإنّه كعبة الفضل ، وقبلة الرّجاء ، وغاية الأمم ، ومحط الآمال ، فالتوجه والإستغاثة والإستشفاع به صلىاللهعليهوآله ، وبغيره من الأنبياء ، والأولياء ، والصّالحين ليس له عند المسلمين ، وفي قلوبهم غير ذلك المعنى المشار إليه : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) الزّمر : ٤٤ ، إنّه لم يعطها لما عبد من دونه ، ولا لمن عبد وكان راضيا ، فالقصر في هذه الآية إضافي ، المراد منه نفي شفاعة الأوثان في عابديها ، ونفي شفاعة جميع المعبودين في عابديهم.
فقد روى أحمد ، والتّرمذيّ ، وابن ماجه عن أبي سعيد الخدريّ قدسسره قال : «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر» ، كما جاء في المعجم الأوسط : ٥ / ٢٠٣ ح ٥٠٨٢ ، شرح سنن ابن ماجه : ١ / ٧٦ ح ٢٤٤٥ ، العلل المتناهية : ٢ / ٩٢١ ، وقال صلىاللهعليهوآله «وبيدي لواء الحمد ولا فخر ، وما من نبي يومئذ ، آدم فمن سواه إلا تحت لوائي ، وأنا أوّل شافع وأوّل مشفع ولا فخر» ، انظر ، تفسر القرطبي : ٤ / ٨٤ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٥٦١ و : ١٤ / ١٣٥ ، صحيح ابن حبان : ١٤ / ٣٩٢ ح ٦٤٧٥ ، المستدرك على الصّحيحين : ١ / ٨٣ ح ٨٢ ، موارد الظّمآن : ١ / ٥٢٣ ح ٢١٢٧ ، وروى البزار ، والطّبرانيّ عن عليّ بن أبي طالب عليهالسلام أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : «أشفع لامتي حتّى ينادي ربي تبارك تعالى فيقول : قد رضيت يا محمّد؟ فيقول : إي ربي رضيت». انظر صحيح مسلم : ١ / ١٣٤ مطبعة محمّد عليّ صبيح وأولاده ط ، مصر ، والمستدرك على الصّحيحين للإمام الحافظ أبي عبد الله الحاكم النّيسابوريّ ، وبذيله التّلخيص للحافظ الذهبيّ : ١ / ٦٦ ط دار المعرفة ـ بيروت لتجد الكثير عن بحث الشّفاعة ، سنن التّرمذي : ٥ / ٣٠٨ ح ٣١٤٨ و ٣٦١٠ وص : ـ